العدد 5486
الأحد 22 أكتوبر 2023
banner
التعليم ثم التعليم
الأحد 22 أكتوبر 2023

قلناها مرارا وتكرارا: التعليم ثم التعليم، لكن لماذا التعليم ونحن نعيش هذا الظرف القومي والوطني الحرج، ونحن نرى أشقاءنا في قطاع غزة والضفة وهم يقتلون وتسفك دماؤهم وتزهق أرواحهم بدم بارد؟

لماذا نتذكر التعليم في هذا الوقت التاريخي المرعب بالذات؟ ولماذا نشدد عليه ونطالب الأمة الاعتناء به؟ السؤال وجيه، بل ومصيري، ويجيب عن حالة التردي والضعف التي وصلت إليها أمتنا العريقة، لعلها قراءة جديدة في مشهد الدماء، أن نلتقط حالة الاستعلاء بالتكنولوجيا التي يتغطرس بها الغرب وصنيعتهم إسرائيل علينا، لعله التقدم العلمي الذي جعل من الآلة العسكرية المملوكة لديهم والتي تنتجها تكنولوجيتهم المتقدمة، هي التي جعلت من تفوقهم العسكري علينا هو نتاج طبيعي لتفوقهم العلمي والحضاري بمفهومه الاستعلائي الجديد، وليس بمفهومنا التاريخي التقليدي القديم.
هم لا ينسون أبداً أنهم أخذوا منا تقدمنا، ليصنعوا منه تقدمهم، وها نحن اليوم والفرصة أصبحت سانحة أمامنا أن نأخذ تقدمهم ونصنع منه تقدمنا، أن نبدأ من حيث انتهوا، وأن نمضي من حيث نصل، وأن نواصل مسيرة التعليم المتقدم ولا نتوقف أبداً، ونقول هذا يكفي، بحر العلم متسع بما فيه الكفاية، وهو يسمح لكل مجتهد بأن ينهل منه كيفما يشاء، وأن يتقدم به من حيث لا يستطيع أحد أن يوقفه، إنه قطار سريع من يلحق به يصل، ومن يتقاعس عنه يتراجع ويتخلف، ويعاني من حالة الاستعلاء الغربي التي أصابتنا في مقتل، ولا أحد يعلم، كيف ومتى يخرجنا الله من هذا الكابوس اللعين، كابوس التراجع والتخلي والتهاون؛ من أجل أن نصبح بالفعل خير أمة أخرجت للناس. وأحمد الله وأشكر فضله أنه عز وجل أطال في عمري وأنا أعيش تجربتي العلمية والأكاديمية وهي تنبض بالحياة، وتوفر الفرص، وسط مجتمع يؤمن بأن العلم هو الطريق إلى التقدم، وهو عنق الزجاجة الذي يؤدي إلى الخروج من نفق التخلف المعتم المقيت.


التعليم ثم التعليم رسالتي لكل الأجيال: إذا كنتم تريدون التخلص من الاحتلال، فبالتعليم وليس بالشعارات الجوفاء، وإذا كنتم ترغبون في العيش بكرامة وتحقيق التقدم بكبرياء، فإنه لا طريق أمامكم سوى العلم، وإذا كنتم تتصورون بأن المال يصنع التقدم، فإنكم سوف تعودون إلى العصور الحجرية بأسرع مما تتوقعون.


المال ناضب، والنفط ناضب، والبهرجة والصرف على الكماليات ناضب ناضب، الذي لا ينضب هو العلم والذي يصنع التقدم هو التعليم والبحث العلمي المتسق مع قضايا المجتمع ومع مشكلات الاقتصاد، ومع حاجات الأمة من معدات وآلات وأجهزة وتكنولوجيا متوطنة، وليست تلك التي نستوردها بأموال ناضبة، هذا بالتحديد ما سيجعلنا نزيل آثار الاحتلال والعدوان، وهو ما سوف يجعلنا أكثر قوة وقدرة على المقاومة، وهو ما سوف يدفعنا إلى مواجهة العدو أيَّ عدوٍّ بالعقل، وليس بالخطب الحماسية ولا بالكلمات الرنانة، هو بالتحديد ما سوف يعلي من شأننا، ويجعلنا نقف بقوة وحزم وكبرياء أمام كل من يحاول الاستعلاء علينا، وكل من يسعى إلى فرض تكنولوجيته علينا وقراره المتعالي ضد مصالحنا، إنه التعليم، ثم التعليم، وإلا فعلى أمتنا السلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .