العدد 5470
الجمعة 06 أكتوبر 2023
banner
لمحات في ذكرى مرور 50 عامًا على حرب 6 أكتوبر 1973
الجمعة 06 أكتوبر 2023

على الرغم من مرور 50 عامًا على ذكرى اندلاع حرب تعدّدت أهدافها، فهي حرب تحرير لدى عامة المصريين والسوريين والقيادة السياسية والعسكرية السورية، ولكنها حرب تحريك لدى القيادة السياسية والعسكرية المصرية، وتعدّدت أسماؤها، فهي حرب السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان في مصر، وتشرين التحريرية في سوريا، ويوم الغفران “ميلخمت يوم كيبور” بالعبرية، في إسرائيل، لأنها صادفت يوم عيد الغفران اليهودي. 

رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث ووزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في لندن 12 ديسمبر 1973
ورغم كل ما قيل عن هذه الحرب المجيدة من انتصارات وتداعيات إلا أنها أدّت إلى توحيد العرب ووقوفهم مع مصر وسوريا عسكريًّا وماديًّا، وأرجعت الكرامة العربية، حينما تمكّنت القوات المصرية من عبور مانع قناة السويس وخط بارليف الحصين، الذي تكلف بناؤه حوالي 500 مليون دولار ويمتد حوالي 120 كيلومترًا، وفي نفس الوقت تمكّنت القوات السورية من عبور خط آلون في الجولان الذي يماثل خط بارليف، ويمتد حوالي 70 كيلومترًا. 
شاركت 9 دول عربية بتقديم الدعم العسكري على الجبهتين المصرية والسورية، العراق، الجزائر، ليبيا، الأردن، المغرب، السعودية، السودان، الكويت، تونس، وشاركت باكستان بطيارين في الجبهة السورية، وساهم الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية بالدعم المالي، وسافر الرئيس الجزائري هواري بومدين إلى الاتحاد السوفيتي وتلاسن مع الرئيس ليونيد بريجنيف لسرعة شحن الأسلحة وتقديمه شيكًا على بياض لوضع المبلغ. 

اجتماع الرئيس السادات مع القادة في غرفة العمليات
لا أريد أن أردّد أو أطيل عن أحداث وتفاصيل الحرب، فغالبيتها معروفة، ولكني أسترجع بعضًا من أحداثها الماضية، كوني عاصرت 4 حروب من 5، كانت بين العرب والإسرائيليين أو بشكل أوضح بين المصريين والإسرائيليين، لأن مصر الشقيقة هي التي تحمّلت وعانت أكثر من غيرها في تلك الحروب. 
تابعت بعض ما نشر من قبل الأرشيف الوطني الإسرائيلي في يوم الخميس 7 سبتمبر 2023 في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران وإعلانه: بأن أرشيف الدولة أصبح متاحًا للجميع، وقد سبق له أن نشر في سنوات ماضية وثائق عن الحرب، وأوضح أن المجموعة الجديدة هي المتكاملة، وأنه في تلك الحرب قتل نحو 2656 جنديًّا إسرائيليًّا، وجرى أسر المئات، وأُصيب أكثر من 7200 جندي ومدني، وأن رئيسة الحكومة الإسرائيلية في حينه السيدة غولدا مائير تلقّت معلومات قبل نحو أسبوع ونصف من الحرب عن وجود استعدادات مصرية سورية على الأرض، وأعقبت ذلك مشاورات أمنية واتصالات داخلية بين القادة السياسيين في إسرائيل، وأن وزير الأمن الإسرائيلي في حينه الجنرال موشيه ديان قدّم تقريرًا في اليوم الثاني لبدء الحرب، أشار إلى أن “الوضع ليس جيّدًا” بالنسبة إلى إسرائيل، وأن “هنالك مواقع محاصرة، وهناك العديد من الأسرى سيقتلون، وسيسقط المزيد في الأسر، ولا نعرف ماذا سيكون مصير الأسرى”. 

صورة محمد العباسي الشهيرة يوم أكتوبر 1973 وهو يرفع علم مصر بعد العبور
كانت بداية الحرب في 6 أكتوبر/‏‏‏ تشرين الأول 1973م الموافق 10 رمضان 1393هـ بعد الظهر، مفاجأة للجميع دون استثناء، وكانت نتائجها مفاجئة حتى لدى القيادتين المصرية والسورية، فقد كان التنسيق في دخول الحرب، والانتصارات التي حققتها القوات المصرية والسورية في أرض المعركة كانت مذهلة، وكانت أكثر من توقعات القيادتين السياسية والعسكرية، خاصة في الأيام الأولى للمعارك، بوصول القوات المصرية إلى 20 كم شرقًا داخل سيناء، ووصول القوات السورية إلى عمق هضبة الجولان، ولكن بعد أيام تمكنت القوات الإسرائيلية بأخذ المبادرة نتيجة الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة الأميركية، الذي بلغ ذروته في 14 أكتوبر 1973 وبقية دول أوروبا الغربية، وكما دعم الاتحاد السوفيتي سوريا ومصر رغم توتر العلاقة مع مصر، ولكن الدعم لا يوازي الدعم الأميركي لإسرائيل في الكمية والنوعية، ما زاد من حجم الانتصارات الإسرائيلية على الجبهة السورية والمصرية. 
 أحداث وقعت من قبل القيادتين المصرية والسورية يصعب فهمها، وأهمها تخبط في إعلان ونفي من الطرفين قبول أو عدم قبول وقف إطلاق النار وتهور غير مدروس بتطوير الهجوم المصري إلى المضائق والذي لم يكن من ضمن الخطة المرسومة الخاصة بالقيادة المصرية، لأنها حرب تحريك ولكن أمام القيادة السورية بأنها حرب تحرير لكامل سيناء، أدى خروج القوات المصرية من حماية منظومة الصواريخ المضادة للطائرات والمقدرة بـ 12 كيلومترًا إلى وقوعها فريسة للطيران الإسرائيلي، وكما أن التصرف السريع من قبل الجنرال احتياط أرين شارون في أرض المعركة واستلامه القيادة بكل سلاسة من القادة الآخرين، مكّنه من تنفيذ خطة مرسومة في السابق والمعروفة باسم برج الحمام “شوفاح يونيم” وباسم آخر “عملية الغزالة”، والتي أدّت رغم خطورتها على القوات الإسرائيلية إلى فتح ثغرة بين الجيش الأول والثاني عرفت باسم “ثغرة الدفرسوار” والتي نجحت نجاحًا كبيرًا وغيّرت من ميزان القوى إلى الجانب الإسرائيلي بسبب تأخر القيادة الميدانية المصرية في التصدي لها والتعامل مع متغيرات الأحداث الميدانية العسكرية والسياسية التي أدّت إلى حصار الجيش الثالث ومدينة السويس، أما على الجبهة السورية فتمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال كامل هضبة الجولان مرة أخرى وهدد العاصمة دمشق.

اجتماع السادات وكيسينجر
والمؤسف أن عمل الثغرة ليس شيئًا مبتكرًا، فهي فكرة عسكرية قديمة ونفذها بعض القادة على مر التاريخ وتوقّع الشاذلي حدوثها من 3 أماكن أحدها “الدفرسوار” ولكنه لم يستطع التعامل معها بسبب المعلومات غير الدقيقة التي كانت تصل إليه وعدم استطاعته استخدام قوات الاحتياط التي زجّ بها ومن دون موافقته أو موافقة القادة الآخرين، ومنهم قائدا الجيش الأول والثاني في تطوير الهجوم، ما أدى إلى خلاف بين الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان والرئيس محمد أنور السادات والفريق أول (أصبح مشير بعد الحرب) أحمد إسماعيل علي القائد العام ووزير الحربية، وكان الشاذلي منذ إعداد خطة العبور يعارض تطوير الهجوم أو فتح الجبهة السورية. 
 وما زال جيلي وجيل الذين سبقوني يتذكرون تلك الأحداث التي شابتها أفراح في بدايتها وأحزان في آخرها، وتحركات اقتصادية وسياسية وعسكرية وحظر تصدير النفط وتوتر عالمي، كاد يؤدي إلى صدام بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية.
انتهت الحرب رسميًّا مع نهاية يوم 24 أكتوبر مع خلال توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين العربي الإسرائيلي، ولكنه لم يدخل حيّز التنفيذ على الجبهة المصرية فعليًّا حتى 28 أكتوبر 1973 
حقق الجيش المصري هدفه من الحرب بعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، رغم حصار الجيش المصري الثالث شرق القناة إلا أن القوات الإسرائيلية لم تستطع السيطرة على مدينتي السويس والإسماعيلية، وتلى ذلك مباحثات الكيلو 101 واتفاقيتي فض اشتباك، وبعدها بسنوات تم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979 واستردّت مصر سيادتها على سيناء وقناة السويس في 25 أبريل 1982 وعلى طابا عن طريق التحكيم الدولي في 19 مارس 1989. وعلى الجبهة السورية، استطاعت إسرائيل ضم أراض جديدة حوالي 500 كيلومتر خلف حدود 1967 وعرف بجيب “سعسع” وواصلت سوريا حرب استنزاف لمدة 82 يومًا، وانتهت باتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل في 31 مايو 1974 والتي نصّت على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في حرب أكتوبر ومن مدينة القنيطرة وإقامة حزام أمني منزوع السلاح على طول خط الحدود الفاصل بين الجانبين السوري والإسرائيلي.
نشر وما زال الكثير عن أحداث تلك الحرب في مقالات وكتب وأفلام على فترات أو في مناسبات معينة بدعوى الكشف عن أسرارها وخفاياها بطريقة محايدة وغير محايدة، رغم الاختلافات الجوهرية في سرد أحداثها وسير معاركها العسكرية وصراعاتها السياسية التي حدثت قبل وخلال وبعد انتهاء الحرب، خاصة بعد نشر تقرير “لجنة آجرانات” التي تولت التحقيق في تقصيرات الحرب والتي دعمت الاتهامات الموجهة إلى القيادات الإسرائيلية. 


 ومن بين الأسرار الأخرى رغم أنها معروفة “أن القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل فكّرت في قصف العاصمة السورية دمشق، لكنها تراجعت تخوفًا من تأثير هذه الخطوة داخل أروقة مجلس الأمن، فضلًا عن التخوف من تدهور التفوق الجوي الإسرائيلي في حينه، وكذلك الضغط الأميركي لوقف إطلاق النار”، وأن بداية المعلومات التي تكشف نية كل من مصر وسوريا شنّ حرب شاملة ضد إسرائيل تتدفق للقيادة الإسرائيلية في وقت مبكر من فبراير إلى أبريل عام 1973، وكانت هذه المعلومات تأتي بشكل رئيسي من مصادر بشرية أحدها كان العميل المعروف “أشرف مروان” الملقب في الأوساط الاستخبارية الإسرائيلي بـ “الملاك”. على حد قولهم.
ولكن ما زالت هناك العديد من الأسئلة المطروحة وليس لها تفسير أو جواب وهي باختصار:
لماذا يتم معظم النشر من قبل الطرف الإسرائيلي وليس العربي؟ ولماذا تكون المبررات غير منطقية عن:
أسباب إلغاء الضربة الجوية الثانية في يوم العبور؟ بدعوى أن الضربة الأولى حققت أهدافها! أسباب الوقفة التعبوية التي سمحت لإسرائيل بمواصلة القتال؟ أسباب تدخل الرئيس الراحل محمد أنور السادات في إدارة شؤون الحرب؟ رغم أن عمله العسكري توقف منذ قيام الثورة المصرية 23 يوليو 1952 بتطوير الهجوم البري إلى المضائق وخروج القوات البرية من نطاق حماية الدفاع الجوي” الصواريخ” والمقدرة بـ 12 كيلومترًا متجاوزًا خطة رئيس أركان القوات المسلحة الفريق الشاذلي؟ ما أدى إلى تدمير نسبة كبيرة من الدبابات المصرية! لماذا أخفقت القوات السورية في الاحتفاظ بمرتفعات جولان رغم تحريرها في بداية الحرب؟ لماذا حدثت الثغرة وعبور القوات الإسرائيلية من الضفة الشرقية في سيناء إلى الضفة الغربية دون أن تقوم القوات المصرية بالتصدي لها؟ واختلفت الآراء بأن القوات الإسرائيلية عبرت عن طريق: أحد الجسور التي أقامتها القوات المصرية/‏‏‏ جلب القوات الإسرائيلية جسرًا حديديًّا كان جاهزًا وسحبته دبابة إسرائيلية/‏‏‏ تم إنشاء الجسر ميدانيًّا؟ لماذا لم تتمكن نقاط الاستطلاع الأرضية أو سلاح الطيران المصري من رصد بداية الثغرة؟ وسمح بدخول قوات كبيرة لم تكن في الحسبان، وهي 3 مجموعات مؤلفة من 6 ألوية مدرعة وميكانيكية ومظلات في فترة قصيرة، عدم تمكن المدفعية المصرية من تدمير الجسر، ما أدى إلى تطويق الجيش الثالث بالكامل، ووصول القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس/‏‏‏ القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة، خاصة بعد فشل الجنرال أرئيل شارون في الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلي في احتلال مدينة السويس. 


لماذا لم تستخدم قاذفات القنابل توبوليف تي يو 16 “بادجر” المجهّزة لحمل قنابل ضخمة أو صاروخين يصل مداهما إلى 120/‏‏‏ 200 كيلومتر من تدمير الثغرة وإبادتها، رغم استخدامها بنجاح في بداية الضربة الجوية وبداية الثغرة. 
ما المعلومات المتبادلة بين السادات والسيد هينري آلفريد كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي الأميركي والضغوط التي تعرّض لها السادات؟
لماذا لم يوافق السادات على مقترح السيد إدوارد هيث رئيس وزراء بريطانيا بإيقاف الحرب بعد النجاح المصري في الاستيلاء على قناة السويس وخط بارليف قبل تطوير الهجوم المصري واستيلاء سوريا على معظم مناطق الجولان؟ 
ومن هو مصدر المعلومات بتطوير الهجوم والذي سمي بـ “المنبع” وهو ليس الجاسوس “الملاك”.
يذكرني تطوير الهجوم المصري بحرب شبيهة في أسبابها وخططها العسكرية ونتائجها السياسية، بوقوع معركه بين قوات الملك رمسيس الثاني ملك مصر والحيثيين بقيادة الملك مواتللي الثاني بمدينة قادش التي تقع على الضفة الغربية لنهر العاصي جنوب بحيرة حمص في 1274 ق.م. وهي من أشهر المعارك التي خاضها الملك رمسيس الثاني في صراعه مع الحيثيين والتي انتهت بعقد معاهدة صلح بين الطرفين، حيث عبرت أربع فرق عسكرية مصرية مستنقعًا مائيًّا وأدى إلى محاصرة فرقتين وكادت الفرق العسكرية تُباد لولا تدخل بعض ضباط الجيش الفرعوني بسبب تهور الفرعون رمسيس الثاني وأدى بعدها إلى عقد معاهدة صلح بين الطرفين المتحاربين.
وتذكرني الثغرة بمعركة الثغرة أو معركة الاردين، وهي إحدى آخر المعارك التي وقعت في الحرب العالمية الثانية، حيث قامت القوات الألمانية بهجوم مباغت على قوات الحلفاء وفتحت ثغرة في وسط جيوش دول التحالف لمباغتتهم من الخلف لإجبارهم على معاهدة صلح يكون موقف دول المحور فيها أقوى. وقد حققت تلك الهجمة عنصر المباغتة المطلوبة إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها (16 ديسمبر 1944/ ‏‏‏25 يناير 1945).
ولكن مهما قيل أو يقال عن تلك الحرب المجيدة من نجاحات أو إخفاقات، فإن ما عمله السادات والرئيس حافظ الأسد والقادة والجنود والشعبان المصري والسوري، يعتبر أعجوبة في الأداء التخابري، والخداع الإستراتيجي، والتضليل الإعلامي والعسكري والسياسي، وتوفير السلاح والذخيرة والوقود والمواد التموينية، وحشد التأييد العالمي، ودعم جميع الملوك والرؤساء والحكام والشعوب العربية للحرب، ودور السادات في استرجاع سيناء وطابا.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية