العدد 5401
السبت 29 يوليو 2023
banner
المربية الأم
السبت 29 يوليو 2023

يختصر مقطع فيديو على إحدى منصات التواصل الاجتماعي ما آلت إليه تربية الأبناء في وقتنا الحاضر؛ ففي الوقت الذي تنشغل فيه الأمهات بأعمالهن طلباً لحياة أفضل في الغالب أو لإثبات ذواتهن في مجالات العمل، تتركن جزءاً كبيراً من مسؤولية الاعتناء بأطفالهن على مربيات من جنسيات مختلفة، هذه المربية لها عاداتها وتقاليدها وقناعاتها وأفكارها وأساليبها التي تتباين كثيراً مع ما هي عليه المجتمعات الخليجية على سبيل الحصر.
ويعرض المقطع اختيار طفلتين احتضان مربيتهما بدلاً عن والدتهما، رغم محاولات الأخيرة المضنية استمالتهما نحوها، ولا يقتصر الأمر على الجانب العاطفي وحسب؛ فمن الواضح أن المربية تشارك الطفلتين تفاصيل حياتهما، وتجلس معهما وقتاً طويلاً بالمقارنة مع والدتهما، فتجدان فيها الملجأ، وتلبية حاجاتهما، وهو ما فسر خطواتهما الواثقة باتجاه المربية، وأن ما تقدمه الأم لم يكن كافياً في أن يرجح كفتها.
موقف قاس، لكنه قوبل من الأم بابتسام وضحكات، وهي ردة فعل مترعة بالتساؤلات، وربما العتاب، أو الاستسلام إلى غياب الحيلة. كانت الأم في الماضي حاضرة في كل تفاصيل حياة أطفالها، تعرف ما يريدون وما يحبون، ما يسرهم وما يزعجهم، وترشدهم في كل لحظة، وتحفهم بدفئها وعطفها وحبها على مدار العمر، لكن لم يعد الوقت كفيلاً اليوم في أن تفعل كل هذا، نظراً للتغيرات الجذرية في مجمل الحياة، وهو في واقع الأمر تحديث تريد أن تلعبه المرأة في زمننا هذا بكامل إرادتها. 
أعتقد أن هذه المرحلة من عمر الحياة تحتاج إلى دراسة وافية، والاستفادة من التجارب التي مرت بها الشعوب، ومعرفة نتائجها على البشرية؛ لأنها تجربة جديدة على مجتمعاتنا، تحتاج إلى حلول ناجعة، وقد يكتنف ذلك شيئاً من التراجعات حتى لا تنافس المربيات الأم، وألا يصبح من المسلم به أن تكون المربية هي الأم الفعلية، في مقابل تراجع أسهم الأم الحقيقية أمام أطفالها.
*كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية