العدد 5386
الجمعة 14 يوليو 2023
banner
مزحة قاتلة
الجمعة 14 يوليو 2023

لا يخلو مجلس من شخص يأكل الأجواء ويستحوذ على الاهتمام من قبل الموجودين، ويكون هو المتحدث خفيف الظل، الذي يبعث على الضحك والبهجة في أي تجمع يتواجد فيه؛ فيحاول جلب الأنظار ليخرج بصورة المعلّق الظريف، أو قاصف الجبهات الفنان، في حين أن المزاح المعتدل موهبة يمتلكها البعض ليضفي أجواءً من الألفة موازناً بين المرح واحترام آدمية ومشاعر الآخرين، وهو أمر مطلوب لا بأس فيه. كل البأس حين تتحول المزحة في التجمعات والمجالس إلى ضرب من ضروب التنمر والاستهزاء والسخرية من بعض الموجودين، بحيث يسترسل المازح السمج في مزحته ولا ينثني حتى يستخرج جل عيوب الآخر وأسراره، وقد ينتقد أمام الملأ لباسه وطريقة مشيته وكلامه؛ فتشتعل الأجواء وتتكهرب الأمزجةِ، ويكون التماس حتمي الحدوث وتشابك الأيدي والعراك نتيجة لابد منها، وهذا ما يخلف تداعيات نفسية وسلوكية لدى المُتنمَّر عليه، وقد يستعر الموقف بأشد من ذلك وأعنف لتنجلي غبرة هذا المزاح بالانتحار أو القتل وسفك الدماء.
حين يخرج المزاح عن نطاقه المعقول ويُنتقصُ فيه من كرامة الآخر، ويُروَّع ويُكذْبُ عليه، ويُستهزأُ به بداعي خفة الدم؛ فذلك لا يعدو كونه شروعاً في إلحاق الضرر المتمثل في الانتكاسات النفسية والصحية، أو نصب العداء، أو الوفاة حال الترويع، أو القتل في سورة الغضب في بعض الأحيان.
إن غياب الوازع الديني والأخلاقي والجهل بأحكام الشريعة سبب رئيس في إباحة ما حرم الدين ونهى عنه، كذلك فإن لغياب القدوة الحسنة داخل الأسرة والمجتمع دوراً أساسياً في قيام البعض بالتنمر والسخرية للفت الانتباه وزيادة عدد المعجبين من المحيطين بهم وسرقة الأضواء والتفرد بالخطاب، متخذين من فنانٍ أو مشهور ما على مواقع التواصل الاجتماعي بنى شهرته على أساس الضحك والقهقهة والسخرية والانتقاص من آدمية الناس قدوة ومثلاً أعلى، وهو وهم ليسوا سوى مرضى يعانون من عقدة النقص فينتقصون من شأن غيرهم... “لسانُك لا تذكر به عورة امرئ ... فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ”.
* كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية