العدد 5386
الجمعة 14 يوليو 2023
banner
عِشْ شخصيتك كما أنت ولا تتلون
الجمعة 14 يوليو 2023

من أكبر المشاكل المدمرة للذات فكريًّا وروحيًّا، هي تلون الإنسان وانسلاخه عن طبيعته لغرض أو مناسبة ما، فتجده يتلبس شخصية غريبة عنه في كل مناسبة، أو أن يفصل شخصية خاصة لكل مناسبة، فمثلًا هو معروف تمامًا لدى كل الناس أنه فلان، وأنه يعمل كذا، وأن قدراته كذا، وسلوكه العادي كذا... تراه الآن وقد دُعي إلى مناسبة ما، قد انسلخ من جلده وجلدته، وأصبح غير ما هو، إما أكبر حجمًا، أو أصغر حجمًا، وكأن كل خلية في جسمه، مشدودة إلى نابض شديد الضبط، وكل حركة من حركاته مصطنعة بشكل فاضح، يظل أمره هكذا، حتى ينتقل إلى مناخ مغاير، يرافقه سلوك مغاير، والسؤال الذي نطرحه كنوع من التمائم، لماذا كل هذا... وما هي الأهداف المرجوة، وما هي الحكمة من نزع الصورة من إطارها ووضعها في إطار ليس لها.
حتى في مجال العمل، تجد هناك موظفًا بألف لون ووجه، وجه مع المراجعين، ووجه آخر مع مسؤوله، ووجه ثالث مع زملائه، وهكذا يقضي طوال يومه في المواقف المتناقضة والتلون في السلوك الذي يرهقه أولًا في الأساس ولا يعود عليه بالنفع.
أذكر أنني دخلت على أحد الموظفين في وزارة خدماتية لتخليص بعض الأوراق، وبدا وكأنه يتحدث مع الأشباح وليس مع بشر، غائب، حاضر، يناجي السقف، والحيطان على اعتبار أنه يواجه ضغوطًا في العمل، لكن بمجرد دخول المدير أو المسؤول عليه، تغيرت سلطة جسده، وهبت عاصفة من الترحيب بي في المكان، وكان بدر السعادة مكتملًا ورجع كل شيء في شكله الصحيح والطبيعي، ولولا دخول المسؤول لكنتُ ضحية للأنماط السلوكية الغريبة وتم تقسيمي إلى أجزاء متساوية وتقييدي على جدران بلا نافذة.
عِشْ شخصيتك كما أنت ولا تمشِ في الاتجاه المعاكس عبر التجول في مدائن الأجساد. 
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية