العدد 5372
الجمعة 30 يونيو 2023
banner
آراء قانونية في تمويل المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة و المتوسطة
الجمعة 30 يونيو 2023

في البحرين والدول المجاورة، خاصة في السنوات الأخيرة، تكثر المؤتمرات والندوات عن دعم وتشجيع وتمويل المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال. تلقيت دعوة للحديث في مؤتمر بدبي ضم مصرفيين وقانونيين من بنوك عالمية وخليجية لمناقشة تمويل هذه المؤسسات وما يعتريها من معضلات مصرفية وقانونية.
في حقيقة الأمر، هذا الموضوع "ساخن جدا" في الخليج، وكل البنوك بدأت توليه اهتماما خاصا لأهميته في دعم الحركة الاقتصادية وتحريك التجارة وفق سلسلة الأعمال الجديدة مع فتح فرص العمل والاستخدام أمام كافة القطاعات خاصة الشباب من الجنسين.
نقول، إن من المشاكل القانونية الواضحة لدينا، غياب التعريف الواضح لمعنى "المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة"، وأعقبها مصطلح "رواد الأعمال". وهناك عدة اتجاهات للوصول للتعريف ومنها ربطه بمقدار رأس المال أو نوع النشاط  أوعدد العمالة أو غيره.. وكل هذا ما زال في سجال ولكل اتجاه ما يسنده ويعززه. والوصول إلى التعريف أمر هام لارتباطه بكيفية تعامل البنوك ومؤسسات التمويل مع هذه المؤسسات المتعددة المسميات. ومن الضرورة القصوى وضع "التعريف الملائم" لتتمكن البنوك وجهات التمويل من إتباعه والسير على هديه. وإضافة لهذا يجب على البنوك أيضا وضع اللوائح الضرورية التي تتضمن معايير تعريف كنه هذه المؤسسات باختلاف درجاتها.
ومن الصعوبات المستعصية في تمويل كل هذه المؤسسات، نجد عدم وجود الضمانات والرهونات الكافية التي تطلبها البنوك كضمان للقروض والتسهيلات المالية التي تقدمها لأي طرف، وعدم وجود الضمانات "الضامنة والغارمة" لا يحمس البنوك وقد لا يشجعها لتقديم الأموال التي تطلبها هذه المؤسسات. وهنا تظهر الفجوة الكبيرة بين البنوك من جهة ورغبة هذه المؤسسات في التمويل المطلوب للقيام بتنفيذ مشاريعها المتنوعة والهامة للحركة الاقتصادية في كل دولة. وكل بنك يقوم بتقديم القروض لهذه العينة من العملاء يتحمل مسؤولية إعادة أموال القروض أو عدم إعادتها للفشل ثم للتعثر أو خلافه. ولمعالجة هذا الأمر قامت العديد من الدول بإنشاء مؤسسات وطنية يكون مهمتها الأساسية "ضمان القروض" التي تقدمها البنوك وتغطيتها في حالة الفشل في السداد أو التعثر. ووجود مثل هذه المؤسسات الوطنية يدعم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ومن معهم من رواد الأعمال، ويضمن تغطية القروض والديون بالتمام الكامل أو سداد غالبيتها وكل هذا وفق معايير قانونية معينة يتم الاتفاق عليها وتطبيقها وفق الأسس القانونية.
وهناك دور كبير يقع على هذه المؤسسات وملاكها وروادها، يتمثل في ضرورة انتهاج المؤسسية والقيام بممارسة الأعمال وفق التركيبة القانونية والهيكلة المؤسسية السليمة المتمثلة في شكل شركة أو شراكة أو مؤسسة فردية أو غيره. وكل من هذه الحالات يحتاج الى وجود المستندات القانونية السليمة السالمة والتي تتضمن أغراض وأهداف المؤسسة ورأسمالها وكيفية ادارتها وكيفية حفظ الحسابات وادارتها وتدقيقها ومن المسؤول عنها وعن متابعة القروض والمشروعات وغيرها من المتطلبات القانونية والشكليات الهيكلية الادارية الضرورية التي تمكن البنوك، عند الاطلاع على هذه المستندات الهامة، من الالمام والعلم بكل التفاصيل الضرورية عن المؤسسة وادارتها، وأيضا بما يمكنها من تقييم وضع المؤسسة ومدى أهليتها القانونية للتعامل، قبل تقديم التمويل وفتح الدفاتر وجردها.
ومن المشاكل الواضحة، ومن واقع التجارب العملية، أن بعض هذه المؤسسات لا تملك المستندات القانونية الصحيحة، أو لا تملك القدرة والمعرفة لامتلاكها، أو لا تستوعب مثل هذه الاجراءات ودورها بالرغم من أهميتها لأنها ستمكن البنوك ومؤسسات التمويل من التعامل معها بصورة واضحة. وهذا الوضع الغريب، وغيره، يعود في غالبه لعدم توفر الخبرة الادارية والمالية مع نقصان المعرفة لإدارة الأعمال بصورة مؤسسية. وهذا الوضع يخلق حلقة مفقودة ويجعل البنوك والمؤسسات المالية مترددة في تقديم الأموال لوجود مخاطر عديدة قد تعود لعدم استرجاع هذه الأموال تماما أو الجزء الأكبر منها. والتعرض لهذه المخاطر يضع ادارة البنوك في أوضاع حرجة، منها المساءلة القانونية، أمام المساهمين ومجلس الادارة وكذلك أمام السلطات الرقابية الاشرافية التي تقف بالمرصاد لكل الهفوات الادارية المهنية، وكل هذا يحتاج للتقييم والدراسة لوضع المسار في الاتجاه الصحيح.
الفورة القوية والثورة العارمة لدعم هذه المؤسسات والرواد، تعتبر ظاهرة حميدة ويجب استمرارها ودعمها من الجهات الحكومية وأيضا من القطاع الخاص بمختلف درجاته، حتى تستمر هذه المؤسسات وتنجح في تحقيق دورها المنشود. وفي نفس الوقت، يجب على حاملي راية هذه المؤسسات الارتفاع للمسؤولية وتجهيز أنفسهم ومؤسساتهم للعمل المؤسسي المدروس والسليم حتى يتوفر لهم الدعم المطلوب، وعلى رأسه منح القروض والتسهيلات المالية التي تحرك دولاب العمل. وعلى الجميع الاصطفاف بقوة خلف هذه المؤسسات اليانعة النضرة لأنها ستعود بالفوائد الجمة لكل المجتمع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية