العدد 5358
الجمعة 16 يونيو 2023
banner
مجموعة دول “البريكس” ومآلاتها المستقبلية
الجمعة 16 يونيو 2023

دول العالم منذ وقت طويل تهتم بالتعاون الاقتصادي، وللوصول لهذا الغرض تم ظهور العديد من التكتلات الاقتصادية. من أبرزها، وبموجب اتفاقيات برايتون وودز، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتوسّع المجال ليشمل تكتلات إقليمية كالمجموعة الأوروبية والمجموعات الآسيوية والأفريقية والعربية ومجلس دول التعاون الخليجي، وغيرهما. وقامت التكتلات العالمية والإقليمية، بالكثير من التعاون الاقتصادي. وكمثال ناجح مجموعة “الوحدة الأوربية” حيث التوافق على النواحي الاقتصادية وإنشاء مؤسسات هامة كالبنك المركزي الأوروبي الموحد. 
 وظهرت تكتلات سيكون لها الأثر على الاقتصاد العالمي، كمجموعة “بريكس” من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أقريقيا. وما يميز المجموعة أنها من الدول النامية الصناعية ذات الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة. وهناك محاولات لانضمام دول أخرى لهذه المجموعة مثل ماليزيا وسنغافورة واليابان ومصر وأخيرًا السعودية.
 اسم “بريكس” استخدمه لأول مرة جيم أونيل رئيس “غولدمان ساكس” في تقرير البنك “العالم يحتاج في بنائه لمزيد من الطوب – بريكس - الأفضل لتحقيق النمو الاقتصادي. والذي يمكن أن تحققه في المستقبل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. واستخدم الحرف الأول لكل دولة وهكذا أتي الاسم “بريكس”. ومن المثير للاهتمام أن هذا التقرير يقول إن البرازيل “قاعدة العالم للمواد الخام”، وروسيا “محطة بنزين العالم”، والهند “مكتب قرطاسية العالم”، والصين “فبريكة العالم”... 
وبصرف النظر عن الاختلافات الملموسة في المستويات الاقتصادية والتطور الاجتماعي، فإن دول البريكس يوحدها طموح جماعي نحو إنشاء نظام عادل للعلاقات الدولية، يأخذ في الاعتبار على قدم المساواة المصالح التاريخية للبلدان المتقدمة والبلدان النامية، كبيرها وصغيرها. وفي 2012 أفاد تقرير البنك الدولي أن دول البريكس تحتل المراتب المتقدمة في التنمية العالمية. وهذا يبرهن أن المجموعة استطاعت أن تصل إلى نجاحات هامة. هذا وقد أعلنت المجموعة عن إنشاء “بنك بريكس” الذي سيعمل كمركز احتياطي للعملات الأجنبية. ويتّصف البنك بمواصفات المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. واقترحت الصين قيام “بنك استثمار البني التحتية”، في جهود السعي لتقديم جهود إيجابية لإعداد نظام عالمي مبني على قواعد نظيفة وواضحة. 
 إن دول منظمة بريكس لديها الطموح لتحقيق اختراق في مسار الاقتصاد العالمي لتحقيق التنمية المطلوبة، ولكن هذا الطموح تعتريه المشاكل لأن كل دولة في مجموعة البريكس لها وزن اقتصادي مختلف، ولديها توجهات سياسية مختلفة، وأيضًا لكل منها مصالح جيواستراتيجية مختلفة وغير هذا مع بعض المشاكل الداخلية التي سيكون لها تأثيرات سلبية متعددة علي مستقبل المجموعة. وكذلك المشكلة الكبيرة التي تتعرّض لها روسيا الآن بسبب الحرب مع أوكرانيا. وهذا سيكون له أبعاده وربما يقود إلى صراعات بين الكتل والأحلاف ولدرجة قد تؤثر سلبًا على مستقبل مجموعة بريكس. 
 إن تحقيق طموح دول بريكس وتوقعات العالم لها لا تزال بالإمكان، لكن الإمكانيات المشتركة لا تترجم لعمل تعاوني، بل على العكس ستضطر دول المجموعة لملاحقة أهدافها ومواجهة تحدياتها منفردة. وبنظرة على تقييم دور البريكس في المستقبل نلاحظ وجود نوع من التفاؤل وكذلك بعض التشاؤم، وهناك الآخر من يقدّم موقفًا “متحفظًا”، وذلك استنادًا إلى أن دول البريكس حتى الآن تعتبر قوة رمزية أكثر منها فعلية، باعتبار أن مصادر القوة الفعلية الراهنة للبريكس تكمن فى قدرات الدول الأعضاء فرادى في المقام الأول دون أن ترقى إلى بناء قوة جماعية تعكس اتحاد القدرات الفردية في منطقة ذات طابع اندماجي أو تكاملي حقيقي.
 وفي نظرنا، ما زال الطريق طويلًا وشاقًّا لتحقيق الرفاه لشعوب البريكس. ولكن، وبغض النظر عن التشاؤم أو التحفظ حيال دور البريكس وما تعانيه من المشكلات والعقبات، إلا أن هذه الدول لديها قوة بشرية هائلة، موارد طبيعية غنية ومتعددة، أراضٍ بمساحات شاسعة بمناخات عديدة... وكل هذه الموارد والطاقات تعطي البريكس ميزة إضافية خاصة تمكّنها من النهوض والسير سريعًا نحو تحقيق مراميها وأهدافها، خاصة وأن الرؤية أصبحت موجودة والعزيمة متوفرة لدى هذه الشعوب التي ملّت وتضايقت من الاحتكار والممارسات غير الأخلاقية التي تمارسها الدول الكبرى لفرض هيمنتها على شعوب العالم وفق مصالحها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية