العدد 5351
الجمعة 09 يونيو 2023
banner
الذكاء الاصطناعي والتقنين
الجمعة 09 يونيو 2023

التقنية فتحت آفاقا بعيدة وسبرت أغوار العلم والمعرفة في شتى المجالات والعلوم وارتقت بالبشر لعالم بعيد المعالم للدرجة التي لا تعرف الحدود. وآثار هذه التقنيات وفوائدها وانعكاساتها لا تحصى ولا تعد، ولا أحد يدري إلى أين ستقودنا في الغد القريب. ولقد تدخلت الثورة التقنية في تكييف حياتنا لأبعد الدرجات وللدرجة التي لا نستطيع الفكاك أو الابتعاد عنها، وعلينا تحمل النتائج بما فيها من خير مطلق أو شر كامن. ومن آخر ما أتت به التقنية، ما يعرف بالذكاء الاصطناعي الذي أصبح واقعا يشاركنا حياتنا في العديد من المجالات، بعد أن كان مجرد أفكار علمية غريبة نشاهدها في أفلام الخيال العلمي التي تتضمن الأجهزة الذكية والإنسان الآلي الروبوت وغيره. ولا ندري، ماذا يحصل إذا أصبحنا ووصل هذا الإنسان الآلي إلى ذكاء عالي جدا أكثر من الإنسان ويتفوق عليه؟
الكل يتحدث عن الذكاء الاصطناعي وأهميته وضرورة الاستعانة به. وفي واقع الأمر، الذكاء الاصطناعي الآن أكثر تقدما وقربا من حياتنا اليومية خصوصا في ما يتعلق بـ “تعلم الآلة”، والذي يتألف من خوارزميات يتم تعلمها عن طريق اكتشاف بعض الأنماط ثم استخلاص النتائج من البيانات الخام غير المصنفة. وما إن تقوم هذه الخوارزميات الاستكشافية بدراسة ما يكفي من البيانات وبناء مكتبة جيدة من الاستجابات الروتينية، فإنه يصبح من الممكن أن تطبق هذه الحسابات لاتخاذ القرارات وحساب التوقعات عند مواجهة أوضاع مماثلة في المستقبل. وهكذا عبر هذا التطور، يصبح للآلة الصماء “مخ” يفهم ويعمل وفق ما يفهمه. ولكن ماذا يحدث إذا لم يتم الفهم بصورة كاملة؟ وما ردود الفعل إذا فهمها معكوسة أو تجاوز حدودها ؟ هذه أسئلة تحتاج للتمعن والإجابة الفنية التقنية لما لها من آثار مؤثرة.
ثم ماذا بعد وما الآثار القانونية التي تترتب على هذه التطورات التقنية التي تزحمنا وتفاجئنا في كل يوم؟ لقد كانت الفترة الأخيرة، مثيرة بالنسبة للقانونيين العاملين في إيجاد الأحكام والتشريعات لمقابلة الثورة التقنية خصوصا فيما يتعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي. وفي أميركا، قام رجال التشريع من الحزبين الرئيسيين بعمل مسودة قانون تتناول الذكاء الاصطناعي وآفاقه في العالم. وهذا يعتبر أول قانون فيدرالي حول تقنين الذكاء الاصطناعي، وبموجبه تنشأ “لجنة مختصة” تدرس جميع الحيثيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وإصدار القرارات كل وفق تخصصه. وهناك أمر مهم، أن من اختصاصات هذه اللجنة دراسة آثار التكنولوجيا على القوى العاملة في أميركا والاستراتيجيات الخاصة بحماية خصوصية المتأثرين بها. وهذا بالطبع من مشاكل الصراع المستمر بين التقنية الآلية والإنسان. 
وقامت بلدية نيويورك بالمصادقة على قانون هو الأول لها لمحاولة تقنين ما يحدث من مستجدات خصوصا عمل التقنيات الحديثة شاملة الذكاء الصناعي، وكذلك هناك ما يتعلق بعدم تأثيرها سلباً على القوى العاملة. وبطبيعة الحال، فإن الجهود الحالية في عدة دول تبدو متماشية مع الدعوات التي تطالب بتقنين مجال الذكاء الاصطناعي ووضع أطر معينة تحكمه تفادياً للآثار السلبية التي من الممكن أن يحدثها على المجتمعات مع المخاطر الأخرى المتعددة، هذا إضافة للتحذيرات التي أطلقها العديد من المفكرين والتي أشاروا فيها إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديداً كبيراً على البشرية ككل. وبالطبع كل جديد سيجد المقاومة والاعتراض بل والشجب. 
وبما أن تطور التقنية أصبح أمرا واقعا لا محالة، يجب علينا وقبل أن نبدأ في الحديث عن الذكاء الاصطناعي العمل على معرفة مكوناته وعناصره الحقيقية، البحث الدقيق عن التفاصيل والآثار والنتائج. مع ضرورة إصدار أطر عامة قانونية وإجرائية وأخلاقية ومهنية تكون محددة ومباشرة للتنظيم المحكم في تنفيذ كل البرامج التقنية. حتى نكون في أمان، ولو أمانا نسبيا.
والآن في هذه الأيام هناك حركة دؤوبة في أوروبا تشمل الجهات الرسمية وغيرها لوضع معالم بارزة تحدد أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إضافة لوضع النظم القانونية الملزمة للجميع. ومن دون شك، هذا سيطور التقنية وفق الأسس القانونية السليمة. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية