العدد 5358
الجمعة 16 يونيو 2023
banner
تجربة في عيادة الطبيب النفسي
الجمعة 16 يونيو 2023

صحوت يوم العيد الكبير على البث المباشر لإعدام صدام حسين، شعرت بغصة لم أكن أعرف أنها ستتفاقم مع مرور الوقت، بعدها بأيام توفي فجأة واحد من أعز أقربائي، بعدها بأسبوع كنت أتناول طعامي مع صديق وفجأة عجزت عن ابتلاع ريقي لمدة ثوان كانت صادمة.. قال لي صديقي عليك بـ “المعالج النفسي” وهو ليس طبيبا يكتب أدوية، لكنه يعالج بجلسات الفضفضة.
رشح لي اسم معالجة نفسية حددت لي ميعادا في مساء اليوم نفسه، كانت غرفتها كئيبة بإضاءة صفراء خافتة وصقيع مؤذ لم تنتصر عليه المدفأة الكهربائية الضخمة، بملامح غارقة في الكآبة والسواد الراقد أسفل عينيها، بهدوئها المبالغ فيه الذي يفضح إدمانها الحبوب المهدئة. جلست على كرسي مقابل لي وسألتني “بتشتكي من ايه” فقلت لها ما أمر به، طلبت مني أن أحكي لها عن طفولتي فقلت كلاما عاما، سألتني عن حالتي الاجتماعية ثم سألتني عن أية مشاكل عضوية فنفيت. ثم سألتني بصيغة اتهامية (أنت متدين؟)، لا أعرف لماذا كدت أقول لها لا.. على اعتبار أن سؤالها كان بصيغة هجومية، لكنني قلت لها “متدين عادي مش متطرف”. 
ابتسمت وقالت أنت مصاب بالوسواس القهري وجلد الذات، أنت تعاقب نفسك بقسوة على أخطاء الماضي. كان تشخيصها أسرع من الطبيعي. سألتها والحل؟ قالت.. جلسات أسبوعية لمدة عام على الأقل مع مهدئات لفترة. أصابني الذعر فاستدركت قائلة “بس أحب اطمنك انت ماعندكش مرض عقلي اللي انت فيه مرض نفسي”. حسبت تكاليف الجلسات الأسبوعية لمدة عام، وكان مبلغا يكفي مقدما لسيارة جديدة، لكنني لم أتوقف عند هذه النقطة، أزعجني أن الشخص الذي سيتولى علاجي أصابني بارتباك وشعور مزعج بعدم الراحة، ولم أشعر تجاهها بأي نوع من الثقة. حاولت أن أرتب أفكاري، كان سؤالها عن التدين مفتاحا مهما، أنا مريض بالتدين، تمام. عدت إلى منزلي توضأت وصليت وقرأت سورة البقرة بصوت عال ثم فتحت المصحف عشوائيا فوجدت أمام عيني آية تقول (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، هبت نسمة باردة من مكان مجهول أحاطت بروحي، وجدتني أبتسم لأول مرة منذ أيام طويلة، تشبثت بابتسامتي حتى رحت في نوم عميق، حلمت ليلتها بصديقي الذي مات يلعب الكرة مع أطفال كثيرين نسخة منه وكانوا هم أيضا يبتسمون.
* كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية