منذ بضعة أيام تم تتويج صاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث ملكًا للمملكة المتحدة لبريطانيا وإيرلندا الشمالية وقرينته الملكة كاميلا باركر في حفل ضخم تم بمراسم عديدة هي الأقدم والأعرق بين حفلات التتويج الملكية على وجه الأرض، حيث تمثل هذه المراسم العديدة تجسيدًا للأعراف والتقاليد الملكية البريطانية المتبعة منذ قرون مضت وبالتحديد منذ عام 1066 م منذ تتويج الملك ويليام الفاتح كأول ملك يتوّج في كنيسة ويستمنستر آبى في العاصمة لندن، وهو التقليد المتبع حتى اليوم وفي شهر مايو تحديدًا.
وقد تم الاستعداد لهذا الحفل مباشرة عقب وفاة الملكة إليزابيث الثانية، حيث جرت العادة على تنصيب الملك الجديد يعقبه بضعة أشهر حدادًا على الملك السابق ثم حفل التتويج.
وقد أقام الملك تشارلز الثالث حفلًا كبيرًا يوم الجمعة قبل يوم التتويج وذلك لاستقبال ملوك وقادة دول العالم المدعوين للحضور، حيث تواجد في هذا الحفل صاحب السمو ولي عهد دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح ممثلًا لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح حفظهما الله ورعاهما، وقد حظي بقدر كبير من الاهتمام، كذلك حضور صاحب الجلالة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم و صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله، عبّر فيها جلالة الملك عن متانة العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين والتي يعود تاريخها إلى 200 عام.
وفي الواقع فإن المملكة المتحدة دائمًا نموذج في فن القيادة والإدارة والحفاظ على التراث والأعراف والتقاليد، وقد تَخرَّج من أكاديمياتها العسكرية وجامعاتها العريقة الكثير من قادة دول العالم ومفكريه ورموزه في شتى المجالات، والعلاقات البريطانية/ الخليجية تتميّز بقوتها وتميزها، وخاصة مع الكويت وذلك ما صرّحت به السفيرة البريطانية في الكويت بيليندا لويس على هامش احتفال السفارة البريطانية بالذكرى الثلاثين لليوم العالمي لحرية الصحافة منذ بضعة أيام بحضور ممثلي الصحف الكويتية المحلية حيث أشادت بالعلاقات البريطانية/ الكويتية وبمناخ حرية الرأي والتعبير في الكويت، وبالدستور الكويتي الذى يحمي الحريات، وأن جلالة الملك تشارلز الثالث يحمل للكويت في قلبه محبة وتقديرًا لأعمالها الإنسانية.
وقد تميّز حفل التتويج الملكي بتنوع السادة الحضور من مختلف الأديان، وقد شارك للمرة الأولى منذ ألف عام أربعة ممثلين من مجلس اللوردات (مسلم ويهودي وهندوسي وسيخي) في مراسم التتويج، وذلك بعد اعتراضات من الكنيسة الأنجليكانية على خرق بروتوكول التتويج الكنسي المتبع منذ ألف عام، ولكن إصرار الملك تشارلز الثالث على هذا الأمر نابع من إيمانه بحرية العقيدة وحتمية التعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة، وفي التتويج أقسم الملك تشارلز الثالث بصفته حاكم كنيسة إنجلترا بالدفاع عن الإيمان المسيحي والعقيدة البروتستانتية، وقد أدخل إليه رئيس أساقفة كانتربري نصًا كُتب خصيصًا لهذه المناسبة التاريخية ولأول مرة في القَسَم الملكي بأن يتعهّد الملك بتهيئة البيئة المناسبة لحرية العقيدة والتعايش بين مختلف الأديان، والشيء بالشيء يُذكر فإن البابا فرنسيس بابا الفاتيكان قد أهدى الملك تشارلز الثالث قطعتين صغيرتين من خشب الصليب الذي يُعتقد في الكنائس الكاثوليكية بأن السيد المسيح قد صُلب عليه، وعلى الرغم من تحفظ الكنيسة البروتستانتية على مصداقية هذا الأمر إلا أن الملك تشارلز الثالث قبل الهدية وتم تثبيت القطعتين في صليب ويلز الذي يتقدم مراسم تتويج الملك، وقد اعتبرها البعض خطوة جيدة للتقريب بين المذاهب المسيحية وإضفاء جو من التسامح يعزّز من السلام والتعايش وقبول الآخر.
وحقيقة الأمر فإنني أعتبر هذه الأمور هي انتصار كبير لكل المدافعين عن حرية العقيدة والتعايش السلمي بين الأديان، وذلك بأن يتم خرق بعض التقاليد الملكية العريقة التي تتم منذ قرون عديدة في مناسبات التتويج وهو ليس بالأمر الهيّن، ولكن احتياج عالمنا للسلام والأمان فرض هذا التغيير والذي أعتبره انتصارًا لكل المناضلين والمفكرين المدافعين عن حرية العقيدة وحتمية التعايش السلمي والحضاري بين جميع البشر.
وفي الأخير نهنّئ المملكة المتحدة بتتويج جلالة الملك تشارلز الثالث ونتمنى له التوفيق والسداد هو وكل قادة دول العالم في ترسيخ قواعد السلام والوئام بين شعوب الأرض، وأن تتوقّف دائرة الحروب والصراعات وتغليب صوت الحكمة والعقل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.