تتجلى الحكمة من صوم شهر رمضان في تحقيق العبودية المُطلقة للباري جلّ وعلا الذي خلق الخَلق وأقرّ الشرائع لهم ليبلوهم فيه ويرى أيُّهم أحسن عملاً وأجزل طاعةً بعد أنْ يُعوّد على التقوى التي تُقرّبه من المُباحات وتُجنّبه المحرّمات في خير الشهور، والتي يُتقرب فيها لزيادة الحسنات ومضاعفة الرحمات في أجواء روحانية تتصل فيها الأرض بالسَّماء وتتيح للعبد التدرَّب على صبر الطَّاعة بالصِّيام من العطش والجوع ووهنٍ في الجسد والنَّفس عن المعاصي والشهوات والتَّربية على أهميَّة الوقت واستغلاله فضلاً عن كظم الغيظ وكبح الجماح ودرء الشهوات، ورُقياً في مراتب التفكُّر والذِّكر والعبادات ومنع الجوارح من اقتراف المعاصي والآثام، فضلاً عن شعور الغنيِّ بالفقير بعونه وتصدقه.
يفيض هذا الشهر المبارك بمقاصد جمّة وعظيمة، غير أنّ هناك بعضاً من العادات السيئة التي لا تلتقي مع مقاصد الصيام في اجتناب المسلم الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى محين غروبها وإحساسه بالعطش والجوع والتعب، وتحريك مشاعره تجاه الفقراء وإحساسه بمعاناة المحتاجين بصنوف البذل والعطاء، وإنفاقه عليهم ومساعدتهم. قد تأتي في مقدمة هذه العادات تدخين السيجارة والشيشة ومنبهات القهوة والشاي والسهر حتى السحور والنوم بعد الإفطار مباشرة، والعصبية الزائدة والصراخ المدوّي، والشراهة في الأكل على الإفطار بأعداد الطعام وصنوفها، والمبالغة في تناول الدّسم منها والتركيز على السكريات فيها دون السوائل والخضروات والفواكه، ناهيك عن تناول البعض وجبة ثانية لا تقل من حيث الكمية أو الدّسامة عن وجبة الإفطار الرئيسة. فيما تظل عادة التفنن في صنع وإعداد ما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة واحدة من الظواهر (السيئة) الشائعة في شهر رمضان دون بقية أشهر السنة، فتبلغ ذروتها ساعة الإفطار حين يُؤكل فيها ما يُؤكل ثم يُرمى جُلّه في حاويات القمامة والمخلفات!.
 نافلة:
إنّ الصيام ليس احتفالاً بالطعام والشراب، إنما زهد بهما، فحرّيٌ بالصائم أنْ يتعامل مع مائدة الإفطار وكأنها مائدة عادية في يوم عادي، فيستهل بحبتين من التمر وكأسٍ من الماء وغَرْفةٍ من الشوربة وسلطة خضراء بعد أنْ يسلفها بطبقٍ رئيسٍ بمعية مقبلات خفيفة يبلغ بها أخلاقيات الصيام ومعانيها التي لا تنتهي مع أذان المغرب حين تتجمع العائلة على سفرة واحدة، بلا إفراط على وجبتي الإفطار والسحور بطعامٍ دهني أو شرابٍ سكرّي على معدة خاوية وجوفها فارغ.
* كاتب وأكاديمي بحريني