+A
A-

السودانية سارة سليمان تحارب العادات الظالمة لأجساد النساء

يعتبر الفيلم السوداني "أجساد بطولية"، الذي عرض ضمن مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الـ ٢٤ برئاسة الناقد عصام زكريا، تجربة بحثية مؤلمة عن المرأة السودانية من خلال الوضع الاجتماعي والسياسي والنفسي، إلى الحديث عن التحميل والتعنيف والإذلال والتمرد وتحقيق الذات لمخرجته السودانية سارة سليمان، التي تعيش في بريطانيا، والتي اشتغلت عليه نحو 4 سنوات، مستندة إلى بحثها "الحركة النسوية السودانية: سياسيات الجسد في عملية التحرر"، ونالت به درجة الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي من (SOAS) جامعة لندن.

تحدثت في هذا اللقاء عن حالة المرأة السودانية ومعاناتها مع العادات الضارة كالختان على الرغم من وجود قانون رسمي يجرم ذلك، كما تطرقت لسرد أحداث تدور حول نضالات النساء لنيل الحقوق المدنية الأساسية، والحق في المشاركة في الحياة العامة، والتعليم والتدريب العلمي، وفي العمل، وفي الفن والإبداع.

-حدثينا أولا عن قصة الفيلم؟

فيلمي "أجساد بطولية" يعتمد في الأساس على بحث التخرج من الماجستير - جامعة لندن، والذي من خلاله تعرفت على سياسات الجسد أو Body politics، التي وجدتها تعبر عني كامرأة سودانية، خصوصا ونحن نعيش في حالة مستمرة من السيطرة والتحكم بنا من خلال أجسادنا، والتي جعلت من أجساد النساء مركز الظلم والقمع والألم في ممارسات كالختان، وبعض القوانين التي تتحكم في أجساد النساء كقانون النظام العام و التي تدور حول الجسد.

بناء على كذلك انصب بحثي حول هذا الجسد المظلوم في الحركة السودانية وكيف تم استخدام هذا الجسد من قبل النساء للتحرر، وفي نفس الوقت كيف كان أداة للقمع، وكيف تم انتهاك الجسد وتشويهه من قبل العادات والتقاليد الضارة. 

- هل مازالت المرأة السودانية تعيش الحالة النفسية في السودان من الأحداث التي عايشتها؟

نعم، عاشت المرأة السودانية صعوبات كثيرة بسبب العادات التي فرض عليها وعلي جسدها، وهي عادات شعبية كانت ومازالت تمارس بعنف، فهي مازالت تعاني من موضوع الختان، وتعيش المعاناة نفسيه بسبب أفكار لا تريد أن تفارقنا على الرغم من وجود قانون يجرم ذلك.

- الحالة السودانية ناجحة جدا اليوم في السينما.. ما الدوافع؟

أنا شخصيا لا أستطيع أن أقيمها بأنها قوية، لكنها محاولات نسائية ورجالية حديثة وصلت العالمية والترشح للأوسكار، لكنها ليست صناعة بل مجهودات شخصية صعبة وبالفعل نحن في حاجة ماسة للدعم الرسمي المعدوم جدا، لتنتعش صناعة الأفلام السودانية ويزداد لإبداع. 

- قمت باستخدام مادة ارشيفية نادرة من صور فوتوغرافية وفيديوهات شكّلت عنصرا مهما من عناصر الفيلم.. حدثينا عنها؟

عملت حوالي 4 سنوات على فيلمي وخلال هذه الفترة استعنت بارشيف من عدة جهات من عدة لإنجاز الفيلم، من بينها جامعة درهام من بريطانيا، كما هو معروف جامعة درم لديها أكبر أرشيف من صور وفيديوهات ومواد خاصة بالسودان في العالم ومن الارشيف الوطني السوداني، وارشيف الرائد السينمائي الراحل جاد الله جبارة، وجدت تعاوناً من ابنته سارة جادالله. كما تحصلت على ارشيف خاص لأسر رموز نسائية ومجموعات خاصة لأفراد، إذ كانت رحلة الحصول علي الارشيف طويلة جدا وصعبة، واضطررت في بعض الأحيان أن اطرق الأبواب في البيوت وأنا ابحث عن الصور القديمة.

- فيلمك تميز في الطرح، بحساسية فنية عالية، وقوة وجرأة خصوصا عن موضوع ختان النساء.. حدثينا عن ذلك؟

أنا كامرأة سودانية رأيت كيف يتم قمع النساء، لذلك تعمدت أن أقدم هذا الفيلم وأن أدرس سياسية الجسد أو Body politics، لكي أفهم أولا أسباب القمع لكي أتمكن من أن أقدم المساعدة وأساهم في عملية التغيير. ومن هنا بدأت أركز على المرأة السودانية بمختلف الأجيال لأخذ المبادرة بتغيير الأفكار ولعل الختان أولها، وهي عادة تمارس على أجساد النساء بصورة غير إنسانية، ورسميا في العام 2020 تم نص قانون يجرم الختان ولكن على الرغم من ذلك مازالت العادة مستمرة إلى الآن وتتم بالخفاء على يد "الدايات". 

لذلك من المهم علينا أن نركز على مجابهة هذه العادات بالوعي الكافي للمجتمع أولا، فالقانون وحده لن يردعهم أبدا، فنحن في حاجة ماسة لتشغيل جميع الأدوات المتاحة لوقف هذا العمل بتقديم الوعي الصحيح وبالتركيز على التعليم خصوصا في المناطق البسيطة. 

كيف كان استقبال الحضور للفيلم؟ 

أذكر أثناء عرض الفيلم لأول مرة، ضمن فعاليات (IDFA) مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية في دورته الـ (35)، شاهدت دموع الحاضرين أمامي، وأيضا تأثرت فتاة سودانية من الحضور بعد حضورها الفيلم حيث بكت لدرجة أنها لم تتمكن من الحديث جيدا، تفاجأت كثيرا من ردة فعلها وكنت في وقتها بين حالتين؛ الحالة الأولى تأثري بحالة هذه الفتاة التي نقلت الحزن والمأساة ببكائها، والحالة الثانية سعادتي لوصول الفيلم وتأثيره عليها وعلى الحاضرين. وأثناء عرض الفيلم بالسودان وجدت بكاء كبيرا من الحاضرين، وكانت دموعا مختلطة بالحزن والفخر في نفس الوقت، وكان رد فعلهم أكبر جائزة لي، واثبت لي أني استطعت أن أوفق في تقديم فيلم يحرك المشاعر، ويقدم إضاءة لمشكلة تعاني منها المرأة السودانية اليوم ومصدر فخر بإنجازات الرائدات السودانيات.