العدد 5266
الخميس 16 مارس 2023
banner
“جمعية التجديد”.. جدلُ الأفكار المتضاربة!
الخميس 16 مارس 2023

منذ أكثر من عقدين من الزمن، وأنا أسمع نتفَ أخبارٍ عن ما كان يسمى حينها بـ “جماعة السفارة”، وقصصاً غريبة عن ادعاءات بالنيابة عن الإمام محمد بن الحسن المهدي، وأن هناك من يقول إنه على صلة به! كانت بالنسبة لي حكايا عجائبية، لا يتقبلها عقل، وتعارضُ أيضاً صريح النقلِ في كتب السيرة لدى المسلمين كافة. هذه الأخبار كانت ترد من رواة عدة، ومن ثم سرد شيئا منها بعض المنتسبين السابقين لـ “السفارة”، ممن رحب المجتمع بعودتهم، بوصفهم أبناء عاقين عادوا إلى رشدهم!
بعد سنوات من هذا الجدل الذي كان يتم بصورة أقرب للنزاعات العصبوية العدمية، دون نقاشات علمية مقنعة في كثير من الأحيان، بين مختلف الأطراف، المؤيدة والمعارضة؛ تم بعد أعوام إنشاء “جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية”، وتسجيلها بشكلٍ رسمي في البحرين، كي تأخذ صورة قانونية. “التجديد” يتهمها خصومها بأنها غطاء لـ “جماعة السفارة”، وأنها أعادت تشكيل خطابها وقدمته بلبوسٍ أكثر عصرانية وأقل تشدداً، بهدف جذب المزيد من الأتباع، الذين ما إن يلجوا في عصبة الجماعة، حتى يتأثروا تالياً بأفكارها الخاصة والمستترة! أعضاء “التجديد” يعتبرون أن هذه مجرد اتهامات لا صحة لها، وأنهم تجمع ثقافي، يستهدف تطوير الإنسان وتنميته، وتجديد الخطاب الديني، وترسيخ الوسطية. إذا، نحن أمام سرديتين مختلفتين تماماً، تتناقضان في مواقفهما، وهو الأمر الذي أدى لاحتدام الصراع بين “جمعية التجديد” ومعارضيها، خصوصاً بعد أن نشط أفراد من الجمعية في الترويج لأفكارهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقدموا قراءات للنص الديني غير مألوفة، وجد فيها البعض تجديفاً، واعتبرها آخرون تمثل ازدراء أو سخرية بالرموز الدينية، فيما افتخر بها أصحابها! إن الإشكالية الحقيقية تكمن في أن الثقافة العامة التي تسود قطاعات واسعة من المتجادلين حول خطاب “جمعية التجديد”، أن هذا السواد لا يؤمن بحرية التعبير وحق الاختلاف في الرأي، وأن أي إنسان له تمام الحرية في أن يجترح إيمانه الخاص وقراءته الذاتية للدين والكون وفهمه لمعنى المقدس.
من جهة أخرى، يُقدم قادة من “جمعية التجديد” خطابهم في صورة وكأنه الرؤية الأكمل والأصوب والأكثر رشداً، وأن باقي القراءات للنص الديني ما هي إلا محضُ خزعبلات أو أساطير توارثها الأبناء عن الآباء عن أسلافهم! إذا، هنا بيتُ القصيد: الطرفان يمارسان استبداداً متبادلاً، ونفياً للآخر، ونفوراً من الحوار العلمي والهادئ، لذا طبيعي جداً أن نجد أغلب النقاشات لا تفضي إلى نتيجة، بل تقود إلى الكراهية، لأن الأدوات هي الحرابُ لا العقول النيرة.
كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .