يحكى أن نجّارًا وفي رواية أخرى مهندسًا تقدّم به العمر، فطلب من رئيسه صاحب المؤسسة إحالته على التقاعد. وبعد نقاش طويل، وافق الرئيس وطلب منه القيام ببناء آخر منزل ومن ثم يمكنه ترك المؤسسة. لعلمه بأن هذا هو آخر مشروع يقوم بإنجازه فقد أسرع المهندس في التنفيذ دون مراعاة الجودة في البناء والدقة في اختيار المواد كما كان يفعل خلال فترة خدمته في تلك المؤسسة.
عند انتهاء المشروع قام المهندس بتسليم المفاتيح وهمّ بالمغادرة إلا أن الرئيس استوقفه قائلًا: هذا المنزل هدية لك عرفانًا وتقديرًا لخدمتك الطويلة معنا. حبست المفاجأة لسان المهندس ولم يقدر على النطق. (اقتباس بتصرف من كتاب فن إدارة المواقف للمؤلف محمد عبدالله الفريح).
كيف تقيّم سيدي القارئ تصرف هذا المهندس؟ ربما كنا نسأله: لو كنت على علم بأن هذا المنزل سيكون لك هل كنت ستتنازل أو تتغاضى عن تطبيق معايير الجودة في البناء واختيار المواد؟ يمكنني القول وبثقة قارئي الكريم بأن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى تخمين. وقد نتفق على هذا أليس كذلك؟
السؤال الذي ربما لازمنا سيدي القارئ ونحن نقرأ هذه الأسطر هو: لماذا تخلى صاحبنا المهندس فجأة عن مهنيته المتمثلة في جودة العمل والتّقانة والأمانة عند إنجازه للمشروع الأخير؟ ربما يجرنا هذا السؤال إلى سؤال آخر وهو: هل كانت هذه المهنية مرتهنة باستمرارية عقد العمل ولمّا انتفى هذا السبب تم تغييب تلك المهنية؟ ما رأيك سيدي القارئ، هل إخلاصنا وولاؤنا المؤسسي وجودة أدائنا لواجباتنا المهنية مرتبطة فقط ومرتهنة بحرصنا على الحفاظ على وظائفنا؟ خير ما أختم به هذه المقالة قول نبيّنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه.