+A
A-

المأثورات الشعبية في السينما المصرية

تناول د. حسين عبد اللطيف في كتابه "المأثورات الشعبية في السينما المصرية..دراسة لبعض أفلام صلاح أبو سيف" العلاقة بين المأثورات الشعبية والسينما، مع تطبيق على بعض أفلام رائد الواقعية المصرية المخرج صلاح أبو سيف، ويتعرض لثلاثة أفلام تم إنتاجها خلال ثلاث مراحل إنتاجية زمنية متتابعة في تاريخ الإنتاج السينمائي بمصر وهي أفلام "الفتوة" و"الزوجة الثانية" و"السقا مات"، فللمأثورات الشعبية دور مهم في البناء الدرامي للفن بصفة عامة، وللسينما بصفة خاصة، فالسينما بمثابة مرآة تعكس أموراً حياتية لشعب ما، ولفترات معينة قابلة للتغيير بناء على متغيرات سياسية واقتصادية وعلمية وحالات مزاجية وظروف سياسية وأمور اجتماعية إنسانية خاصة بشعبها، وعلى ذلك فهي سجل راصد للمأثورات الشعبية لا غنى عنه لباحث الفولكلور.

يقول عبد اللطيف: "إذا كنا نتفق على أن التاريخ هو بمثابة المعمل لرجل الاجتماع، فيه يرى المراحل التي اجتازتها الأشكال الثقافية والاجتماعية الماثلة أمامه، ومن خلاله يفهم مدلولات كثير من الممارسات والمواقف والعلاقات والعمليات، فإن دراسة الفولكلور، خاصة في الجانب التاريخي، هي أكبر عون يمكن أن يساعد دارس الثقافة والمجتمع".

كان لنشأة صلاح أبو سيف أكبر الأثر على بناء شخصيته وتكوين فكره وقدرته على تحليل العلاقات والمضمون الإنساني في المجتمع، وتشربه بالروح الوطنية والصور الشعبية، والذي انعكس على كل ذلك المخزون الفكري والنفسي على أفلامه، فيما بعد، وقد اختط لنفسه سياسة اعتمدت على الواقع، وسلطت الضوء بشكل مباشر على مشاكل الناس والمأثورات الشعبية الملازمة لحياتهم، فكان منهجه في السينما هو الواقعية المعبرة عن تفاصيل حياة الشعب والجماهير، ومن هنا جاءت العلاقة واضحة ثابتة بين المأثور الشعبي والسينما في بعض أعمال المخرج صلاح أبو سيف.

وجاء فيلم "الفتوة" ليعرض للصراع بين الخير والشر، فيتضح فيه عمق تحليله لآليات السوق، وكان بمثابة وثيقة فولكلورية لشريحة وجزء من المجتمع عبّر عنها صلاح أبو سيف، وكان فيلم "الزوجة الثانية" سجلاً وافياً للممارسات الشعبية الريفية في زمن أحداث الفيلم، ويحسب للمخرج أنه تمكن من حشد كل أدوات ومفردات الحياة الريفية القديمة.

وكذلك امتاز الفيلم بإطلالة سريعة على العديد من العلاقات والطقوس الشائعة في الريف المصري، فجاء الفيلم أشبه بالحكاية الشعبية عن ذكريات الماضي والحياة في الريف، وقام الفيلم بتحويل البطولة الذكورية إلى بطولة نسائية للمرأة، وهذا الأسلوب يستخدم في الحكي الشعبي عن بطولات النساء، فكان الفيلم بذلك سجلاً مرئياً للمأثورات الشعبية الريفية، قام بتوثيقه درامياً صلاح أبو سيف.

وفي فيلم "السقا مات" استخدم أبو سيف السقا كرمز للحياة، واستخدم صديقه رمزاً للموت، وجعلهما يجتمعان معاً في السكن كرمز للعلاقة الوطيدة بين الحياة والموت، وكأن الموت والحياة رفيقان، يلازمان الإنسان، فالفيلم ينتقل إلى مستوى آخر من مستويات الواقعية الشعبية لأول مرة، والفيلم إذ يتفق مع واقعية الحارة في اختياره البيئة (المكان والناس) وفي وصفه الدقيق لها في ممارسات شعبية عديدة، كان رصداً حقيقياً للمأثورات الشعبية بالحارة.