أحد الأصدقاء يريد تحويل قصة لأديب بحريني إلى مسرحية بأفكارها ورموزها، وبعدما جلس مع صاحب القصة وتناقشا في التفاصيل، رفض القاص تحويل قصته إلى مسرحية لقناعته بأنها ستنقل مبتورة ومشوهة على خشبة المسرح.
أتفق مع القاص كثيرا، لأن هناك اختلافات جوهرية وأساسية بين الألوان الأدبية المختلفة تجعل محاولة ترجمة لون معين من الأدب إلى لون آخر شبه مستحيلة، وبعض هذه الاختلافات واضحة، مثل الاختلاف بين القصة والمسرحية في عنصر الزمن. فالقصة قد تحتاج إلى مئة ساعة تقريبا لقراءتها، بينما مشاهدة أية مسرحية لا تتجاوز ثلاث ساعات، وغالبا ما تستغرق حوالي ساعتين، كما أن المسرحية لابد أن تشاهد في جلسة واحدة، وهذا يعني أن المؤلف الدرامي يجب أن يعمد إلى استخدام مبدأ الاختيار في علاج مادته، والاقتصاد في التفاصيل، الشيء الذي يبعث القصصي على اليأس.
ويجب أن تكون التفاصيل القليلة التي يختارها المؤلف الدرامي بمثابة مفاتيح الحدث، بحيث يمكن للجمهور أن يدركه بسهولة، أما القصصي فيعترض على هذه المبادئ، إذ كيف يضحي بالتفاصيل الدقيقة في رسم الشخصيات وصدق الحوار وواقعيته في سبيل حالية الحدث، وهو يرفض أن يفعل هذا، ويصر على إيراد الكثير من التفصيلات التي تلقي ضوءا على الشخصيات، فهو بإخلاصه للحياة يضحي بالوقت الثمين على المسرح ويصيب المشاهدين بالملل.
ويؤمن المخرجون وكتاب السيناريو بقاعدة بسيطة تقول “إذا كان موضوع القصة لا يمكن شرحه في مئة كلمة، فإن القصة عادة لا تحوي عنصر الدراما”، والشاعر أو القصصي الذي يريد الكتابة للمسرح لا يستطيع أن يأتمن الممثلين والفنيين والمخرجين والمنتجين على عمله، إذ إن هؤلاء يصرون على التدخل بمواهبهم في العمل الذي هو وليد موهبته المستقلة الفردية، فالفن الدرامي فن جماعي، أي بمثابة طفل غير شرعي ينتجه أشخاص كثيرون، ويستحيل على القصصي أن يترك فنه للمشتغلين بالمسرح، فعناصر الوصف والغنائية والإيحاء في قصته يجب أن تتحول إلى التجسيد والتحديد في الدراما، كما يجب أن يتحول الخيال إلى واقع محسوس وصلب.