العدد 5131
الثلاثاء 01 نوفمبر 2022
banner
في رحاب بيت طه حسي
الثلاثاء 01 نوفمبر 2022

جاءت زيارتي،بمعيةابنتي وابني،لمتحف بيت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في ضاحية الأهرامات بالجيزة قُبيل أيام من الذكرى الأخيرة لرحيله في أواخر اكتوبر الفائت، ولدى دخولنا مبنى المتحف كان في استقبالنا عند مدخله من الداخل سيدتان فاضلتان لاطلاعنا وتعريفنا على أركان البيت ومحتوياته،ومنها: صالون استقبالات، ومكتبة العميد التي تكتنز على رفوفها 6520 كتاباً،عدا مجموعة اخرى كبيرة محفوظة في دار الكتب الحكومية، وغرف نوم، وصالون السفرة،وقاعة استقبال الضيوف،ومقتنيات تحف وأوسمة، ووثائق وميداليات، وملابسه وملابس زوجته الفرنسية السيدة سوزان،وجهاز راديو قديم كان يستمع منه غالباً لمقرئي القرآن الكريم،والكرسي الذي كان يجلس عليه، والمكتب الذي كان يكتب عليه سكرتيره، وتمثال نصفي صغير الحجم، وتمثال نصفي آخر كبير الحجم يتوسط حديقة البيت.  وفيما قامت إحدى السيدتين بتعريفنا بأركان ومحتويات الدور الأرضي، اختصت الثانية بالدور العلوي. وباستثناء مفاجأتي ببساطة البيت إلى حدما، وضيق غرفه، وصغر حجم حديقته الغنّاء التي كانت واسعة، كما قرأت عنها، والتي كان يطيب للعميد يومياً تمضية بعض الوقت فيها،وقد تبدد استغرابي حالما قيل لنا بأن مساحتها قد تقلصت بعد أن بيع جزء كبير منها، أقولُ: باستثناء كل ذلك، ففي واقع الحال كان كل تعريفاتهما المختصرة لنا بمحتويات متحف "رامتان"معلومة عندي سلفاً . 
بيد أن ثمة خمسة أمور لا تخلو من دلالات تتعلق بهذا البيت المتحف،أحسبها مفيدة وجديرة بالتنويه:  
الأمر الأول: يتعلق بالإسم العربي الذي راق لطه حسين اطلاقه  على البيت "رامتان"، وهذه المفردة مثنى "رامة" اقتبسها عميدنا من إحدى المفردات العربية القديمة المهجورة، وكانت في الأصل تطلق على محطة الاستراحة لرجال القوافل ودوابهم في بوادي الجزيرة العربية.وخطرت ببال العميد على إثر الرغبة التي أبداها ابنه مؤنس بعد زواجه بليلي العلالي(حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي) بالسكن في منزل الوالدين، فاللعميد "رامة" ولمؤنس "رامة" اخرى.   
الأمر الثاني: إن المتحف لم يُؤسس إلا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أي بعد مضي نحو 20 عاماً على رحيل طه حسين(ت 28 اكتوبر 1973)، وكان لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، دور في إنقاذ مبنى البيت،مدفوعاً في ذلك بمناشدات متكررة من قِبل نخبة من كبار الاُدباء والمثقفين المصريين في الصحافة المصرية،حيث كان قبيل تحويله إلى متحف بيتاً مهجوراً بعد وفاة زوجته السيدة سوزان، وكان يحوم حوله العقاريون لشرائه وهدمه بغية تشييد مكانه عمارة شاهقة، لاسيما أن بيت الفنان المسرحي والسينمائي الكبير يوسف وهبي والذي كان بجوار منزل طه حسين نجح العقاريون في شرائه،واُقيم مكانه فندقاً سياحياً. 
الأمر الثالث: يتعلق  بواحدة من أهم المقتنيات النفيسة اللافتة في المتحف، ألا هي قطعة من كسوة الكعبة المشرفة،وهي مهداة إليه من عاهل السعودية الراحل الملك فهد بن عبد العزيز،ولطالما ظلت ومازالت هذه الهدية موضع اهتمام الزائرين، وخصوصاً العرب منهم، فضلاً عن اهتمام الصحافة المصرية والعربية. 
الأمر الرابع: ويتعلق ب"قلادة النيل" وهي من الذهب الخالص، وتُعد أيضاً من المقتنيات المهمة النفيسة، ومع أنها مخصصة للإهداء إلى الرؤساء والملوك، فقد قام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بتقليدها العميد عام 1956، لكنها لم تكن موجودة في المكان المخصص لها، وقيل لنا أنها محفوظة في مكان آخر؛  لأسباب أمنية، وهنا تذكرت قصة طريفة جديرة بالرواية،فطبقا للراحل الدكتور محمد حسن الزيات(مدير بيت طه حسين أثناء حياته، ووزير الخارجية المصري الأسبق، زوج أمينة ابنة العميد)فقد تعرضت القلادة للسرقة من المتحف، ولما علِم اللص بأن "الفيلا" تعود للعميد أعاد " القلادة" وجميع المقتنيات التي سرقها، ومن حسن حظ مصر وهذا المعلم التراثي المهم، أن اللص كان ذا وعي ثقافي معقول، بحيث أدرك أن قيمة هذه "القلادة" النفيسة لا تكمن في كونها مصنوعة من الذهب الخالص، وإنما في رمزيتها المعنوية التاريخية الثقافية في حياة العميد العميد والتراث الوطني المصري. 
الأمر الخامس: إذا ما تمعن الزائر لبيت طه حسين في دلالات بعض الصور واللوحات الفنية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، لوحة للسيدة العذراء وهي تحمل طفلها السيد المسيح (ع)، وبرواز طويل يجمع كل آيات القرآن الكريم، فإنهما- البرواز واللوحة- يرمزان إلى هوية كل منهما الدينية، وسيدرك المتمعن عندها جو المحبة والوئام الصادق بين الزوجين الذي كان يظلل ذلك الببت، واحترام كل منهما لديانة الآخر، حتى مع تمسك كل منهما واعتزازه بديانته.   

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية