العدد 5121
السبت 22 أكتوبر 2022
banner
“الإطار التنسيقي” والعقلية الاستحواذية
السبت 22 أكتوبر 2022

لم تجف دماء عشرات القتلى من أنصار التيار الصدري الذين اعتصموا داخل المنطقة الخضراء، إثر الاشتباكات التي جرت أواخر شهر أغسطس بين الصدريين من جهة، وقوات الأمن وعناصر مسلحة من “الإطار التنسيقي” التابع لإيران من جهة أخرى، حتى بادر الأخير إلى صفقة سياسية مع الحزبين الكرديين (الديمقراطي والوطني) لترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة ويُكلف بتشكيلها، ومن الواضح أن أطراف الصفقة -وبضمنهم السوداني المقرب من “الإطار التنسيقي” - لم تبالِ البتة ببقاء الأزمة السياسية المتفجرة بين هذا الأخير و”التيار الصدري” على حالها، بالرغم من امتلاكه 73 نائبا في البرلمان يشكلون أكبر كتلة فيه واستقالوا منه احتجاجاً، ثم ازدادت الأزمة اشتعالاً إثر صفقة مماثلة للصفقة الأخيرة، ما دفع أنصار التيار الصدري إلى اقتحام البرلمان والاعتصام فيه لفترة طويلة متقطعة استمرت من أواخر يوليو الماضي حتى نهاية أغسطس.
إن ذلك ليعكس عقلية الاستئثار بالسلطة لدى أطراف الصفقة، وعلى رأسها “الإطار التنسيقي” المؤتمر بطهران، حتى لو تطلب الأمر عدم احترام أعراف لعبة المحاصصة السياسية الطائفية في تداول السلطة، وهي اللعبة التي ثبتت خطورة استمرارها؛ لما تسببه من استشراء الفساد داخل جهاز الدولة، جراء أزمة بنيوية عميقة تطال مفاصل الدولة، والمسؤولة عن تفريخ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة التي تعصف بالشعب العراقي منذ نحو عشرين عاماً. بعبارة أخرى فإن الصفقة تمت دون أي اعتبار لأكبر كتلة برلمانية أو لقاعدتها الشعبية العريضة الناقمة بشدة من “تطنيشها”، وهذا لا يعني سوى الاستهتار بقواعد اللعبة السياسية ذاتها التي استمرؤوها، ذلك أنهم لم يبتغوا من الصفقة حل الأزمة السياسية، بل الوصول إلى السلطة بأي شكل، دون اكتراث بإعادة إنتاج الأزمة السياسية التي ستبقى لغماً موقوتاً قابلاً للتفجر في أي وقت، ودون مبالاة أيضاً ببقاء البرلمان أعرج لا يمثل بعض القوى السياسية الكبرى المنخرطة في اللعبة السياسية ذاتها، دع عنك القوى المهمشة التي تناضل من خارجها، كقوى التغيير الديمقراطية، والتي سبق أن طالبت والانتفاضة التشرينية في 2019 بإلغاء قواعد تلك اللعبة السقيمة، وإسقاط المحاصصة الطائفية، وصولاً لإقامة نظام ديمقراطي دستوري تعددي حقيقي من شأنه تمثيل كل القوى السياسية الحية في البرلمان وتنتشل البلاد من أزماتها التي طال أمدها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية