العدد 5117
الثلاثاء 18 أكتوبر 2022
banner
مستقبل الإضرابات الفرنسية
الثلاثاء 18 أكتوبر 2022


تحت شعار "يوم التعبئة والإضراب" يجري اليوم الثلاثاء في فرنسا تنفيذ الإضرابات العمالية الفرنسية الأوسع، وخصوصاً في قطاع النفط، والتي دعت إليها النقابات العمالية الرئيسية الكبرى في البلاد،بدعم من القوى اليسارية المؤتلفة في" الأتحاد البيئي والاجتماعي الجديد" وذلك أحتجاجاً على تدني الاجور في ظل تفاقم مطرد في أسعار السلع الغذائية والمعيشية،وكذلك احتجاجاً على تقاعس الحكومة في تنفيذ التدابير  العاجلة لمواجهة تغير المناخ وحماية البيئة. ويأتي إضراب اليوم تتويجاً لسلسلة من الإضرابات العمالية التي تجتاح فرنسا منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ويشارك فيها عشرات الألوف من المضربين والمحتجين، وعلى الأخص عمال شركة" توتال إينرجيز"، ما دفع الحكومة اليمينية ذات الأغلبية البرلمانية الهشة، بقيادة رئيستها اليزابيت بورن، إلى التهديد باللجوء إلى القوة لإرغام المضربين على العودة إلى أعمالهم، كما حدث الأربعاء الماضي، الأمر الذي دفع قادة الإضراب إلى الطعن قضائيا في هذا الأجراء ووصفوه بالتعسفي تجاه حق مكتسب منذ عشرات العقود، فيما بررت الحكومة أجراءها بأن الأضراب يؤثر على تلبية احتياجات السكان من الوقود والطاقة، ويفاقم من الأزمة غير المسبوقة في الطاقة والتي تأخذ بخناق الفرنسيين. وحتى اللحظة لا أحد يستطيع التنبؤ كيف ستجري إضرابات اليوم وكيف ستنتهي؟
وإذ تمكن المضربون- الذين يسعون إلى رفع اُجورهم بنسبة 10%- من تحقيق مطالبهم جزئيا، بالتوافق على نسبة 7%، جاءت حصيلة مفاوضات شاقة ومتعثرة مع أرباب العمل، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا سيفعل المضربون لو تحققت مطالبهم كاملة أو شبه كاملة، ثم تبخرت الزيادة في غضون أشهر؟ وذلك إذا ما أستمرت الأسعار في الأرتفاع أضعافاً أضعافاً.  هنا نأتي إلى بيت القصيد،ذلك بأن أزمة الوقود، ومعها الأزمة المعيشية والاقتصادية التي تعصف بالشعب الفرنسي، وخاصة طبقاته الوسطى والدُنيا، إنما هي ناجمة عن تطبيق سياسة أكبر مفروضة عليه من قمة السلطة الحاكمة، و تٌعرف ب"النيو ليبرالية" والتي من أبرز مساوئها إطلاق أيدي كبار المستثمرين والمقاولين بضرائب متدنية، وتخفيض الانفاق العام على التعليم والصحة وسائر الخدمات الاجتماعية، والتوغل في الخصخصة بلا حدود. 
وإلطامة الكبرى حينما يجري تطبيق تلك السياسة في ظل اصرار الرئيس أيمانويل ماكرون، ورئيسة وزرائه اليزابيت بورن على دعم اوكرانيا بالمال والسلاح، والتي ما برحت تخوض حرباً طويلة منهكة مع روسيا،دون أعتراف بما لهذا الدعم السخي من تداعيات خطيرة على تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية. ومالم يعي المضربون بأهمية تغيير سياسات الحكومة المطبقة حالياً، والذي لن يأتي إلا بانتخاب حكومة جديدة تنأى بنفسها عن تلك السياسات التأزيمية التي ثبت فشلها، وذلك من خلال تبني إصلاحات جذرية شاملة، فإن مكاسبهم الجديدة لن تكون سوى مسكنات وقتية.  

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية