العدد 5086
السبت 17 سبتمبر 2022
banner
في الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية العراقية
السبت 17 سبتمبر 2022

في العراق ومع اقتراب الاحتفالات الجماهيرية المرتقبة لإحياء الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين الشعبية، والتي تعرضت لقمع وحشي من قِبل أوساط متنفذة داخل الجهاز الأمني، وعناصر من ميليشيات الأحزاب الإسلاموية الموالية لطهران، ستكون هذه القوى أمام محك صعب في كيفية مواجهتها الإرادة الشعبية التي ستمثلها عودة الانتفاضة، خصوصاً إذا ما تحولت الاحتفالات إلى احتجاجات قوية ضد الفاسدين وقتلة شباب الانتفاضة الأولى عام 2019 والمطالبة بمحاكمتهم، فهل ستتورط تلك العناصر الميليشياوية من جديد في جولة وحشية قمعية دموية لإخماد الانتفاضة؟ وهل ستمر هذه المرة جرائم القتل والقنص خارج القانون، والمدانة دستوريا ودوليا بلا عقاب؟ ناهيك عما سينجم عنها من تداعيات جماهيرية وسياسية قوية للوقوف صفاً صمودياً واحداً من مختلف القوى الشعبية والوطنية ضد الفاشيين الجُدد مهما كانت تضحياتهم من أجل الحرية كمعركة فاصلة تنتهي هذه المرة بانتصار الانتفاضة المحتوم؟ 
وكما نعلم فقد انكشف زيف شعاراتهم الدينية التي برعوا في دغدغة مشاعر الجماهير العادية الدينية بها - خدمةً لمآربهم ومنافعهم السياسية الضيقة - كما لم تنكشف في أي وقت مضى، وذلك إبان أحداث المنطقة الخضراء، لاسيما وأنهم لم يتورعوا عن استخدام الرصاص الذي راح ضحيته 30 قتيلاً بدم بارد بحق المدنيين العزل من أتباع التيار الصدري، غريمهم من نفس الطائفة، فما بالنا لو كان هذا الخصم لا ينتمي إلى "مكونهم"؟ لقد أثبتت التجربة المريرة التي اكتوى بها الشعب العراقي، ومن خلفه قواه الوطنية والديمقراطية، أنهم لا يفهمون من معنى للممارسة الديمقراطية وإدارة الدولة عند استحواذهم على أهم مفاصلها، إلا بمنطق وعقلية الاستحواذ وإقصاء الآخر، وهذا بالضبط ما دفعهم إلى محاولة حسم الصراع السياسي الملتهب داخل المنطقة الخضراء بلغة الرصاص، لا بلغة الحوار الصبور في التحاور مع الآخر المختلف معهم، ومن ثم احترام الواقع السياسي التعددي للعراق، وما يترتب عليه من احترام مبدأ تداول السلطة بروح رياضية ديمقراطية، هم الذين لم يتوانوا طوال أزمة الانسداد السياسي وتعطيل مصالح الدولة، فمصالح الناس استتباعاً، عن التحدث باسم الشعب تارة، وباسم الدستور تارة أخرى بل وباسم "ثورة الحُسين" تارة ثالثة. 
إن ذلك يحدث في ظل تجاهل تام من قِبلهم لمواقف ليس فقط مكونات الشعب العراقي الأخرى التي بات يمثلها - تبعاً لنهج المحاصصة - المنتفعون داخل كل طائفة والذين أغلبهم ممالئون لهم حفاظاً على استبقاء امتيازاتهم من كعكعة المحاصصة ذاتها، بل وفي ظل تجاهل تام أيضاً لكل القوى السياسية الوطنية والمستقلة التي تتبنى شعارات وحدوية وطنية جامعة وعابرة للقوميات والطوائف. وهاهم نجدهم اليوم ما فتئوا يتمسكون بعقد جلسة للبرلمان تبت في أزمة الانسداد السياسي المستمرة منذ ما يقرب من عام، والتي هم أنفسهم من تسببوا في خلقها، في حين تجمع أوسع القوى السياسية والشعبية على مطلب حل البرلمان وقيام حكومة انتقالية محايدة غير حزبية، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية سلسة تسبقها تعديلات تشريعية في النظام الانتخابي، وكذلك تفويض هيئة مستقلة وطنية دولية تشرف على الانتخابات، وبحيث لا يحق للخاسرين الاعتراض على نتائجها، كما فعلوا إثر ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة حيث تدنت حصة مقاعدهم في البرلمان، فثارت عندها ثائرتهم ونصبوا خيام احتجاجاتهم، هذا رغم أن نسبة المصوتين فيها في ظل مقاطعة واسعة لم تتجاوز الـ 43 % (حسب إعلان المفوضية العليا للانتخابات)، وبالتالي فلا عجب إذا ما أضحوا يراهنون اليوم على الوقت، إذ يلعبون سياسيا في الوقت الضائع، ليقينهم بأنهم سيخسرون حتما ما تبقى لهم من أوراق في أية انتخابات قادمة.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .