إذا كان شارلي شابلن قد خلق تقاليد الكوميديا الصامتة، أو الكوميديا البصرية، فإن الممثل "روان اتكينسون" والشهير " بمستر بن"، قد جمع بين تقاليد السينما الصامتة والنوادر والمفارقات اللفظية التي أتاحتها السينما الناطقة، ومسلسله الأخير "رجل ضد نحلة" قد أثار الكثير من النقاش حوله، فهو مبنى بناء فنيا بارعا، ويستحوذ على مشاهديه بعد لحظات من بدايته حتى قبل النهاية، ويطرح داخله كما كبيرا من الإبهار الذكي، كما يناقش قضية على جانب كبير من الأهمية وهي قضية اكتشاف عالم الحيوان والرغبة المتوقدة داخلنا من أجل السعي نحو هذا الهدف.

قرأت معظم ما كتب عن المسلسل المعروض حاليا على "نتفليكس" ما هو سلبي وإيجابي، ولكن ربما أغفل البعض أن المخرج والكاتب "ديفيد كير" استطاع بتنويعات مختلفة أن يتعامل مع عقلنا وحواسنا في علاقة ديناميكية، ليعيد ترتيب ما نحتفظ به في ذاكرتنا وإدراكنا معا، وهو في ذلك يقدم لغة سينمائية أقرب إلى لغة الموسيقى الكلاسيكية بقواعدها الصارمة التي تحكم اللحظة التي تبدأ فيها الأصوات بالغناء، واللحظة التي تنتهي بها النغمة الختامية، وبين البداية والنهاية هناك قواعد معينة.

الممثل "روان اتكينسون "وعلى المستوى السينمائي والتلفزيوني يتميز بأنه خلق شخصية عامة ذات جاذبية نادرة، ومن خلال أدواره أصبح بطلا عالميا، وهنا كان على الكاتب والمخرج " ديفيد كير" أن يسير على قواعد مرسومة ويتجنب الرتابة وخلق الجدة؛ لأنه يتعامل مع ممثل كوميدي له طابعه الخاص في مسألة المتعة والتسلية، والموقف في مسار الأمور تماما مثلما فعل في فيلم "جوني إنجليش يضرب من جديد" والذي كان أيضا من بطولة "روان اتكينسون" العام 2018 ، فشخصية "روان اتكينسون" في هذا المسلسل هي الرجل الحارس "تريفور" الذي يكلف بحراسه بيت أثرياء مجهز بتكنولوجيا حديثة، ويعج بالممتلكات الثمينة، ولكنه يجد في المنزل نحلة مشاغبة ترغمه على التخلص منها دون جدوى، فيحدث فوضى عارمة في المنزل ويتلف مقتنياته، والقضية في جوهرها هنا بالنسبة لـ "تريفور" كما ندركها نحن هي محاولة التخلص من النحلة المشاغبة، وأن يومه سيتغير تغييرا شاملا بمجرد التخلص منها، ولكن في حقيقة الأمر أن الكاتب والمخرج "ديفيد كير" يقدم لنا عوالم غير واقعية أو هي متسامية مع الواقع، من خلال عراك الإنسان مع النحلة وهو البناء الذي يقوم عليه المسلسل أو لنسمه الفيلم القصير.

بصورة عامة المسلسل ليس مجرد سلعة مسلية لجماهير المشاهدين، وإنما عالج وعلى امتداد حلقاته التسع جانبا كبيرا من الأهمية، وهو قصة الإنسان مع العالم ومع الزمان والمكان وقوانين القدر ويترك المتفرج حرا لكي يضع نفسه في مكان شخصية "تريفور" في إطار هذا الحدث أو ذاك، وهنا تكمن قوة المسلسل التي ربما لم يتطرق إليها أحد.