العدد 4936
الأربعاء 20 أبريل 2022
banner
عمود أكاديمي د. باقر النجار
د. باقر النجار
الانتخابات الفرنسية: هل يدخل اليمين المتطرف قصر الإليزيه؟
الأربعاء 20 أبريل 2022

قد يفوز الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية. وهو فوز قد يكون ناقصا. ناقصا ليس بمعناه الحسابي وإنما في إطاره السياسي والمجتمعي الآني والمستقبلي. 
فالرئيس ماكرون كان قد حصد في الجولة الأولى ما يقارب من 27 % من إجمالي الأصوات، ومنافسته مارين لوبان كانت قد حصدت ما يقارب من 23 % من الأصوات، وذهبت الأصوات الأخرى للمترشحين الآخرين الذين بعضهم قد دعا مناصريه للتصويت للرئيس ماكرون وبعضهم من أهل اليمين المتطرف قد دعوا للتصويت لمنافسته مارين لوبان، إلا أن ما تبقى من المترشحين كبعض اليسار، قد أشاروا إلى أنهم لن يصوتوا للوبان إلا أنهم امتنعوا عن دعوة أنصارهم للتصويت له... ما يعني أنهم قد يمتنعوا عن المشاركة في الجولة الثانية من هذه الانتخابات.
ورغم أن التوقعات تشير إلى احتمالية كبيرة في فوز ماكرون على منافسته اليمينية، إلا أنه لن يتجاوز في ذلك حاجز 60 % من الأصوات في المقابل ستحصل منافسته على نسبة قريبة من 40 % أو أعلى من ذلك بقليل. وتعيد هذه الجولة وقائع منافسة الرئيس الفرنسي الديغولي الأسبق جاك شيراك مع والد المترشحة جان ماري لوبان، الذي حصد فيه شيراك في جولته الثانية من انتخابات العام 2002 ما يقارب من 82 % من الأصوات رغم أنه كان قد حصل على ما لا يتجاوز 30 % من أصوات الجولة الاولى. وهو فوز قد جاء نتيجة “لفزعة” جماهيرية سياسية استشعرت فيها قطاعات كبيرة من المجتمع الفرنسي خطورة وصول اليمين المتطرف لسدة الحكم فيها وتبعات ذلك على المجتمع الفرنسي والتعاون الأوروبي. رغم أنها، أي هذه قطاعات الفرنسية، كانت قد صوتت في الجولة الأولى من هذه الانتخابات للأحزاب السياسية المعارضة وتحديدا اليمين المتطرف، نكاية بالطبقة السياسية الفرنسية والتي تعتقد أو تتهم بكونها طبقة فاسدة..
ويثير وصول اليمين المتطرف للجولة الثانية من الانتخابات مخاوف اجتماعية وسياسية واقتصادية لقطاعات كبيرة من المجتمع الفرنسي، رغم أن التوقعات لا ترجح فوزها مع احتمال ارتفاع عدد المصوتين لها عن تلك قبل عقدين من الزمان، إلا أنها نسبة ستبقى دون نسبة الفوز.
وتجرى الانتخابات الفرنسية الحالية في ظل ظروف سياسية واقتصادية استثنائية تمر بها فرنسا بل سائر مجتمعات العالم. فهي انتخابات تجرى على وقع حرب قائمة على حدود أوروبا الشرقية وهي حرب مخاوف امتداداتها ما زالت قائمة، كما أنها تُجرى بعد إنهاك اقتصادي واجتماعي وبشري سببته جائحة كورونا لكل دول العالم، وهي انتخابات تُجرى في سياق من تنامي حضور اليمين في الدولة في أوروبا بشكل عام، فهو، أي اليمين المتطرف، قد تمكن من الوصول إلى الحكم في عدد من دول أوروبا الشرقية وفي النمسا وإيطاليا.. وقد استطاع هذا التيار إثارة ردود فعل قوية من قضايا المهاجرين واللجوء السياسي والهوية القومية، استطاع من خلالها أن يخلق له شعبية كبيرة في أوساط واسعة من السكان.. وهي حالة فسرها البعض كنتيجة لتآكل أو تداعي القيم الليبرالية التي تشكلت عليها أوروبا الغربية لعقود سابقة، بل يذهب البعض للقول، وتحديدا أستاذ الدراسات الحكومية بجامعة هارفرد استيفن ليفيتسكي “إن أوروبا قد تشهد موتا للديمقراطية ولربما عودة لأنظمة تسلطية في سياقات انتخابية”، وهي الحالة التي باتت عليها جل دول شرق أوروبا، والتي رغم مرور قرابة عقدين ونيف العقد من الزمان على قطيعتها مع الأنظمة الشمولية إبان الحقبة السوفيتية وتحولها نحو الديمقراطية، إلا أن درجة تبنيها أو بالأحرى تشكل البنى الليبرالية والقيم الديمقراطية في سياقاتها الثقافية والسياسية ما زالت محدودة إن لم تكن معطلة.
من الناحية الأخرى، فإن استطلاعات الرأي في العديد من الدول الأوروبية تشير وبشكل متنام لدرجة من القبول باليمين المتطرف وأطروحاته وتحديدا في الأقاليم الفرعية وفي الأوساط الشعبية التي ساءت أوضاعهم الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية الماضية. وتشير استطلاعات الرأي في فرنسا إلى تفوق بسيط للرئيس ماكرون على منافسته مارلين لوبان، وأن هامش الفرق بين الرئيس ماكرون ولوبان قد لا يتجاوز 4 %، إذ كان حوالي 52 % مؤيدين لماكرون مقابل 48 % مؤيدين للوبان. وهو الأمر الذي دفع ببعض الأصوات الصحافية للإفصاح عن خطورة وصول لوبان إلى السلطة في فرنسا. إذ تقول صحيفة الليموند في مقال أخير فيها “إن وصول المترشحة اليمينية المتطرفة مارلين لوبان للحكم يمثل تهديدا صارخا للقيم الليبرالية وللمصالح الوطنية الفرنسية”.
إلا أن ما سيقوله الناخب الفرنسي يوم الأحد المقبل الموافق 24 أبريل، قد يمثل مفاجئة كبرى إذا ما جيء بلوبان لقصر الاليزيه.. وهو مجيء سيقود إلى تحولات جديدة في سياسة الدولة نحو الداخل والخارج.. وبعض هذه التحولات قد دخلتها أوروبا خلال العقدين الماضيين.. وهو تحول قد لا يطيح كثيرا بقيم الليبرالية والديمقراطية في أوروبا الغربية، إلا أنه قد يعكس هذا التآكل فيها.. فالحصانة الثقافية التي التي كانت تتمتع بها هذه المجتمعات قبل عقدين أو أكثر من الزمان، في وجه قوى اليمين المتطرف، لم تعد قائمة بذات القوة، فالمجتمعات الأوربية لم تعد تقوى في وجه موجة التطرف التي باتت تجتاحها... فالتحولات الاقتصادية والسياسية التي جاءت على هذه المجتمعات، بالإضافة للانتشار الكبير لوسائط الاتصال الجديدة، قد ساهم في انتشار لقيم وتوجهات سياسية جديدة متشددة نحو الهجرة والمهاجرين وتحمل القليل من القبول لمبدأ التنوع الثقافي وتعادي المختلف، وهو جيل تنتفي في أوساطه بعض قيم التسامح والتعددية. وهي كلها أمور ساعدت على تآكل تلك الحصانة الثقافية التي كانت تتمتع بها المجتمعات الغربية بشكل عام، بل إن قيم الليبرالية التقليدية المتأصلة في المجتمع الأوربي باتت لا تقوى على مقاومة هذه الاتجاهات والقيم الجديدة أو على مساكنتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية