سبق أن كتبت في هذا المكان تحت عنوان “أدوات الحرب النفسية الجديدة” بأن هذه الحرب لم تعد كالسابق منحصرة في وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية، كالإذاعة والتلفزيون والصحافة والسينما، فبعد دخولنا الألفية الجديدة، باتت تقتحم ميدان هذه الحرب أشرس الوسائل وأسرعها وصولاً إلى عقل المتلقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتويتر وانستغرام وواتساب.. إلخ، وهذه الوسائل لم تعد خاضعة لسيطرة الدول المتواجهة في الحروب النفسية، إذ اقتحمتها أطراف سياسية عديدة بغية كسب أكبر شريحة ممكنة من الرأي العام، وتحطيم رسالة الخصم السياسي ودعايته المضادة من خلال التلاعب بالحقائق، سواء خلال مرحلة التمهيد لشن الحرب العسكرية أو أثناء اندلاعها، وهذا ما نتابعه بالضبط الآن بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى على خلفية الحملة العسكرية للأولى على أوكرانيا. وهي أيضاً أول حرب كبرى في تاريخنا المعاصر تُسخّر فيها أدوات “السوشال ميديا” للسيطرة على عقول وأفئدة متابعيها في ظل غياب شبه كلي للإعلام المحايد.
ومع أن المعركة غير متكافئة بين الجانبين الأميركي الغربي من جهة وروسيا من جهة أخرى؛ حيث يحتكر الطرف الأول تلك الأدوات ويحظرها على الجانب الروسي، فإنه وباعتراف مؤسسات إعلامية تابعة للأول نفسه بات أكثر انكشافاً في عدم تورعه عن ممارسة الخداع والتزييف والأكاذيب لمجريات الحرب، ومن ذلك ما كشفته شبكة CNN عن خديعة أكياس تحتوي جثثاً لضحايا أوكرانيين تبين لاحقاً أنه مقطع إخباري قديم اُلتقط من مدينة فيينا ولا صلة له بالحرب، ومن هذا القبيل أيضاً ما كشفته وكالة رويترز من فبركة إعلامية لمقطع فيديو لأكياس جثث بينها جثة تدخن سيجارة، وثمة خبر آخر تداولته وكالات الأنباء الغربية عما بات يُعرف بـ “شبح كييف” الذي أسقط بمفرده ست طائرات روسية.
من جهته نشر موقع “عربي بوست” بأن مبالغات وأكاذيب الحرب الأوكرانية بلغت مستوى غير مسبوق من قبل الطرفين المتحاربين إلى حد انتزاع مقاطع من ألعاب الفيديو، وأفلام هوليوودية مصورة، ولم يكن هذا الموقع مجافياً للحقيقة حول تأثر الدعاية في إعلام الدولتين المتحاربتين بتقاليد الإعلام الشمولي الخاضع للدولة. ويبقى الأمر في النهاية مرهوناً بمدى تمتع المتابع لمجريات الصراع بين الجانبين بوعي كبير في هذه الحرب الدعائية.