إذا كانت الميكيافيلية في السياسة تعني الغاية تبرر الوسيلة حتى لو كانت الأخيرة لا أخلاقية، فليس سراً أن أجهزة الاستخبارات، خصوصاً التابعة للدول العظمى، هي أكثر مؤسسات الدول انتهاجاً لها، لتحقيق غاياتها من العدو، حتى لو تطلب الأمر ارتكاب الجريمة أو القتل، وبهذا المعنى لعلنا نفهم كيف قُبل ضابط الاستخبارات السوفييتي، الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، في جهاز الكي جي بي، فالأرجح إلى جانب ما لمسوه عنده من شغف كبير لممارسة هذه المهنة اطلعوا على ما تخللت مراهقته المضطربة من مصاحبة للأشقياء، ومن ثم لا يتطلب من المتقدم سوى انضمامه للحزب الحاكم، والتعهد بالتضحية من أجله والدولة السوفييتية، حتى لو كانت ثقافته متوسطة، لكن في المقابل هل يصلح رجل مخابراتي ناجح في عمله لقيادة دولة عظمى؟
إن من يتمعن جيداً في شخصية بوتين القيادية سيخلص إلى أن سماتها - كرجل مخابرات - ظلت تلازمه في الحكم، بما في ذلك تبنيه مزيجاً من “الميكيافيلية” والبراجماتية في السياستين الخارجية والداخلية، حتى لو تتطلب الأمر ارتكاب اغتيالات بحق خصومه في المعارضة أينما ثقفهم في الداخل أو الخارج. وليس غريباً ان ظل بعد وصوله الكريملين مفتوناً بعضلاته وإظهار مقدرته الخارقة في ممارسة عدد من اللعبات الرياضية والهوايات المختلفة، أكثر من افتتانه باستعراض قدراته الفكرية والثقافية، وهو لا يتوانى بين كل رؤساء العالم عن خرق مراسم البروتكول لازدراء من يستهدفه من ضيوفه، أو يوجه إيحاءات ودية إلى من يخصه، وأنت لا تتعجب إذا ما اعتز بأمجاد الامبراطورية الروسية بحقبتيها الملكية والسوفييتية على السواء.
لكن شخصية كهذه إذ تجذب فئة من الشباب الغرر والمليارديرية المقربين منه ليس بالضرورة أن تنال إعجاب عامة الشعب ونخبته السياسية والمثقفة لما تحمله من صفات دكتاتورية، فلطالما تظهر ثغرات هذا النمط من الشخصيات عند الأزمات المصيرية كالحروب، فمثلاً عندما وضع القوة النووية في حالة تأهب محاكياً أزمة الصواريخ الكوبية للحصول على تنازلات من الجانب الأميركي فاته أنه ليس على رأس الدولة السوفييتية الجبارة وما كانت تمتلكه من نفوذ عالمي بين عدد كبير من دول العالم وشعوبه، والراجح أن شخصية بهذه السمات حتى لو كسبت المعركة عسكريا فلن تكسب شعبيتها داخلياً.