لا شك أن الحياة مليئة بعدد كبير جدا من المواقف، ولكل موقف كبير يمر به الإنسان هدف معين، وقد تكون نهاية هذا الهدف تحقيق نجاح أو فشل، وقد يكون هذا الفشل داعما له للنجاح في شيء آخر، فالحياة لا تعطي دروسًا مجانية لأحد، فحين أقول “علمتني الحياة” فتأكدوا أنني دفعت الثمن غاليا! لكن ما يهم الإنسان هو مقدار الاستفادة من تلك الدروس والعبر في الحياة.
مناسبة هذه المقدمة هو ما حصل لنا ونحن نقضي إجازتنا الشتوية في مدينة إسطنبول التركية، ففي أحد الأيام وأثناء رجوعنا لمنزلنا الذي يبعد ٣٠ دقيقة فقط عن المجمع التجاري الذي كنا متواجدين فيه، حدث ما حدث! فقد تسبب سقوط الثلوج الكثيفة على المدينة في وصولنا إلى المنزل بعد ١٩ ساعة! تصوروا معي حجم المعاناة والإرهاق والخوف من المجهول، ففي الطريق تفاجأنا بسقوط كميات كبيرة جدًا من الثلوج على جميع مناطق المدينة، وفجأة أغلقت جميع الطرقات والجسور، وتكدست آلاف السيارات بجميع أنواعها وبدأت رحلة العذاب والمعاناة من قبل الجميع، من كبار السن والأطفال! نعم كان منظرًا مخيفًا ومرعبًا في نفس الوقت، الجميع سياراتهم، وكما يقولون ما في اليد حيلة، تحملنا الكثير من الضغوطات النفسية والمعنوية، وانتابنا الخوف من المصير المجهول! رأينا مشاهد السيارات وهي تتهاوى في الطريق، كثيرون قرروا أن يتركوا سياراتهم وأن يذهبوا مشيًا على الأقدام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحصول على مأوى أو ملجأ يحميهم من هذا البرد القارس وفي هذه الظروف الجوية الصعبة والقاسية.. قصص ومواقف صعبة ومرعبة عشناها طوال الليل وفي الظلام الحالك، وحتى الساعات الأولى من الصباح الباكر، ولا أنسى هنا أن أشيد بما قامت به الحكومة من جهود استثنائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحد من تبعات هذه الكارثة التي لم تشهدها المدينة منذ أكثر من ٧٠ عامًا! جهود المتطوعين كانت مقدرة وهم يقومون بتوزيع المأكولات على أصحاب السيارات العالقة في الطريق رغم الظروف المناخية الصعبة.
في الواقع سبب سردي الواقعة التي حدثت لنا الوقوف على هذه التجربة التي هي الأولى في حياتي وأتمنى أن تكون الأخيرة، هذه التجربة علمتني أهمية الصبر والإرادة القوية والتفكير الإيجابي والمنطقي، وكذلك الايمان بما كتبه الله سبحانه وتعالى. فالهدف كان بلاشك أن نصل إلى مكان إقامتنا بسلام حتى إن تطلب ذلك المكوث في الخارج لأيام، هذا الموقف علمني أهمية اتباع الوسائل والأساليب الصحيحة في إدارة الأزمات.