العدد 4849
الأحد 23 يناير 2022
banner
التطرف والمتطرفون والأسماء المركبة... وقصة عبدالرسول سياف
الأحد 23 يناير 2022

اخترت عنوان هذا المقال قبل أن أعرف أن اقتراح بقانون كان قد قُدم مؤخرا إلى مجلس الشورى في البحرين (بعد أن تخطينا العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين) يدعو الحكومة، من بين أمور أخرى إلى منع الناس من استخدام الأسماء المركبة، ولذا وجب التنويه بأن المتطرفين أو صفة التطرف الواردة في العنوان لا تمس أو تشير إلى إخواننا الأعضاء المحترمين الذين تقدموا باقتراح سن هذا القانون، خصوصا وأنهم قد وافقوا على سحبه، ما يؤكد ويدل على حسن نواياهم.


ومنذ سنوات وأنا أقرأ وأبحث وأجمع معلومات وآراء وفتاوى حول موضوع الأسماء المركبة؛ لسبب واضح متعلق باسمي، وما يقوله البعض من أن هذا الاسم وأمثاله مخالف للشريعة الإسلامية ويستوجب التوبة والاستغفار والتغيير في أحسن الأحوال، أو في أسوئها أنه يمثل كفرا وشركا بالله.


وفي الحقيقة فإن ظاهرة إطلاق مثل هذه الأسماء المركبة (عبدعلي، عبدالحسين، عبدالرسول) آخذة في التراجع والانحسار، وأن هذا الموضوع برمته ومن أساسه لا يستحق القلق أو الاهتمام، إلا أن الأمر قد يتطلب التوقف أمامه والتأكيد على  ضرورة عدم الاكتراث به وبالآراء والاجتهادات الغريبة التي تثار بشأنه، والتمسك بقناعتنا بأن اسم الفرد مرتبط بخصوصيته وذاته، وفوق وقبل ذلك إيماننا بأن الدين الإسلامي الحنيف هو دين القيم الرفيعة والمبادئ السامية، دين الصفاء والنقاء والرفعة والرقي فلا يمكن منطقيا أن ينحدر إلى مستوى التدخل في تحديد أسماء الناس ويسلبهم حريتهم في اختيار الأسماء التي يفضلونها.


وأما بالنسبة لقصة عبدالرسول سياف؛ فقد تابعت وسجلت حلقة من برنامج “السطر الأخير” الذي بثته محطة MBC1  قبل بضعة أشهر، واستضافت فيه السيد أحمد باديب المستشار السابق في الاستخبارات السعودية؛ فقد أشار السيد أحمد باديب إلى الدورة الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي التي عقدت في مكة المكرمة لدعم الأفغان بعد انسحاب السوفيت، وذكر أن قادة الفصائل الأفغانية كانوا منشقين ومختلفين فيما بينهم وفي صراع واقتتال، وأراد المؤتمر توجيه ضغوط عليهم لتوحيد صفوفهم وتصفية خلافاتهم واختيار قائد لهم من بين رؤساء مختلف الفصائل المتقاتلة، وجمعوهم في قاعة أو موقع واحد في مكة المكرمة وطلبوا منهم عدم مغادرته إلا بعد أن يتفقوا ويختاروا من بينهم رئيسا، وبالفعل نجحت الضغوط واختاروا عبدالرسول سياف رئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني، يقول السيد أحمد باديب في المقابلة: “بعد التوقيف اتفق الأفغان على المدعو عبدالرسول سياف، اعترضنا على اسم عبد الرسول وقلنا هذا الاسم لا ينفع واضفنا إليه عبد (رب) الرسول سياف، وهو قبل بذلك”. (الحلقة كاملة موجودة على منصة اليوتيوب).


حدث ذلك عندما كانت الإرادة السعودية الحقيقية مُختطفة ومُصادرة من قبل فكر التطرف والتعصب والتخلف الذي كان يسيطر على شرايين الحياة في المملكة في الحقبة التي سميت بـ “الصحوة”، وقبل أن يتولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله مقاليد الحكم ويباشر سلطاته بدعم ومساندة ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ اللذان أنقذا المجتمع السعودي بل الأمة الإسلامية كلها من براثن ومخالب التطرف، وأزالا الغمة عنها، وانتقلا بالمجتمع السعودي من أسوار المحرمات المصطنعة والمبتدعة ومن نمطية متعصبة متخلفة أو محافظة في أحسن الأحوال إلى مجتمع منفتح مؤمن بالاعتدال وقيم التعددية والتعايش، متمسك بدينه ومتصالح مع دنياه، بعيد عن التعصب والتشدد والانغلاق، فغيرا منحى الفتاوى وتصديا للإرهاب الفكري والتعصب والتطرف الديني، واتخذا العديد من المبادرات الهامة التي تهدف إلى نزع الشرعية عن الأيديولوجية الدينية المتطرفة.


إن قصة عبدالرسول أو عبد رب الرسول سياف تؤكد خطأ ما يظنه البعض من أن المستهدف من وراء تكفير من يستخدم مثل هذه الأسماء المركبة هم الشيعة؛ إذ إن عبدالرسول سياف ليس شيعيا إنما هو سني حنفي، كما إن الذين يستنكرون أو يكفرون استخدام الأسماء المركبة لا يحصرون ذلك في الأسماء مثل عبدالرسول وعبدالحسين وما شابه، إنما يشمل ذلك أسماء مثل عبدالناصر وعبدالعاطي وعبدالمعين؛ لأن الناصر والعاطي والمعين، بحسب رأيهم، ليست من أسماء الله الحسنى المعروفة والموثقة والمثبتة في القرآن الكريم، والتي تتكون من 99 اسمًا أو صفة.


ويقول الذين يستنكرون، أو يكفرون من يقوم إطلاق أو استخدام بعض الأسماء المركبة، إن مثل هذه الأسماء محرمة؛ على أساس أنه لا يُعبد إلا الله ولا عبادة إلا لله وحده دون سواه، وهو قول صحيح ورأي مصيب لا يختلف عليه اثنان من المسلمين بجميع طوائفهم أو غيرهم من أهل الكتاب، لكنه في هذه الحالة بني على تفسير ضيق وفهم خاطئ لا يفرق بين مفهوم “العبادة” ومفهوم “العبودية”، وبين العباد وهي جمع عابد، والعبيد وهي جمع عبد مملوك، قال تعالى في سورة النحل: “ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا”، والعبادة لا تجوز إلا لله وحده ولكن كم من البشر تم بيعهم وصاروا عبيدا لبشر مثلهم؟


وتطلق مثل هذه الأسماء من باب التبجيل والإكبار والتقدير والخضوع والطاعة لمخلوق عالي القدر والمقام مثل الرسول الأعظم في حالة اسم عبدالرسول، كما تطلق ضمن تقاليد مجتمعية موروثة تجيز لك أيضًا أن تقول لمن تحترمه أو تحبه “أنا عبدك” أو “أنا غلامك” أو “أنا خادمك” وتطلق كذلك ضمن ثقافة تحتفي بقول الشاعر المقنع الكندي: “وإني لعبد الضيف حين يزورني .. وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا”، وبقول الشاعر عبدالله بن الدمينة: “بالله إن سألوك عني قل لهم  عبدي ومملوكي وما أعتقته”، والمثل المعروف الذي نعتز به ونكرره يقول: “من علمني حرفًا، صرت له عبدًا” أي خادما.


وحيث إن هذا المنحى نابع من الثقافة العربية فلم يقتصر على العرب المسلمين فقط بل تعداه إلى العرب المنتمين إلى الأديان الأخرى كالعرب المسيحيين الذين يطلقون على أنفسهم اسماء مثل “عبدالمسيح” و”عبدالشهيد”؛ والشهيد هنا هو عيسى بن مريم.


والمعروف أيضًا أن الخليفة أبا بكر الصديق (رضي الله عنه” لم يُشرك بالله قط في حياته وكان اسمه “عبدالكعبة” أي خادمها، ولم يثبت أنه استعار أو أنِف من اسمه عندما أسلم، وقد أسبغ عليه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) اسم عبدالله وكناه بالعتيق عندما صار من أول المسلمين. وذكر ابن هشام في كتاب السيرة نسب رسول الله (ص) فقال: “هو محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب واسمه شيبة بن هاشم، وهاشم هو عمرو بن عبد مناف، وعبدمناف هو المغيرة، بن قصي، بن كلاب، بن مُرّة ” إلى آخره، إن عبدمناف المذكور هو الجد الثالث للنبي محمد، ومناف اسم صنم كانت بعض العرب تعبده قبل الإسلام، ولم يستنكف الرسول الأعظم من وجود أسماء مركبة في سلالته الشريفة، فقد قال عليه السلام متفاخرا في يوم حنين: “أنا النبي لا كذب، أنا بن عبدالمطلب” ولم يقل أنا ابن عبد رب المطلب، و”المطلب” ليس من أسماء أو صفات الله؛ قال ابن منظور: “والمطَّلب أصله مُتْطلب، فأدغمت التاءُ في الطاء وشُدِّدت”.


إن تفاخر الرسول الأكرم باسم جده عبدالمطلب يؤكد أن هذا الأسم وما شابهه ليس فيه شائبة الشرك أو الدعوة إليه؛ فنحن كمسلمين نؤمن بأن آباء نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام كانوا موحدين ولم يكونوا مشركين.
فشكرًا لمجلس الشورى ولأعضائه المحترمين الذين وافقوا على سحب اقتراحهم بإصدار قانون يمنع الناس من إطلاق أسماء مركبة على أبنائهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .