لقد تألق نجم “التسول” في سوق المنامة بشكل لا مثيل له، حيث أصبحت هناك عملية خلق وإبداع فني للضحك على الناس قد تصل إلى درجة “الدكتوراه”، فقد صادفت متسولا لا يتصنع خبلا ولا مرضا، إنما يرتدي ملابس نظيفة بعض الشيء ويتخذ مظهرا وقورا هادئا حتى تكاد حين تراه تحسبه عزيز قوم ذل، يتقدم إليك على استحياء ولا ينسى أن يصافحك، وقد ينتحي بك بعيدا عن الناس ثم يسر إليك والخجل يكاد يقتله.. أنه ليس متسولا، لكنه كما يقول غريب عن البلد ونفدت نقوده ولا يريد شيئا سوى “المقسوم” ليسافر به إلى بلده والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
يبدو أن اصطناع الأمراض والعاهات على كل حال أسلوب قديم ولابد من التجديد والابتكار في جميع الفنون الجميلة وغير الجميلة، فهناك أساليب أخرى لابتزاز الصدقات من جيوب الناس، وخير الأبواب التي يلج منها المتسول إلى جيب الزبون هو باب الشفقة التي يثيرها في نفسه بطرق مختلفة كما فعلها صاحبنا الذي يريد أي مبلغ من المال ليعود إلى بلده، وعندما سألته عن المدة التي مكث فيها في البحرين وسبب زيارته والمشكلة التي تعرض لها، انتظر برهة حتى يأتيه الإلهام من الشيطان، وأجاب بعد رحلة شاقة طويلة مع الكلمة.. “الموضوع طويل يا أخي”.
لقد تفاقمت مشكلة التسول عندنا بشكل ملفت للنظر، إذ ظل - وكما هو واضح وملاحظ - معدل التسول يرتفع باستمرار، عاكسا في ذلك عدم قدرة الجهات المختصة على احتواء المشكلة وتنفيذ الكثير من الشروط والإجراءات، ويتباين حجم التسول من منطقة إلى أخرى حسب حجم السكان ونوعية الأسواق، لكن الجزء الأكبر في العاصمة المنامة لأسباب معروفة، منها تواجد السياح وأشهر المراكز التجارية.
عالم التسول تدخله كل يوم ابتكارات جديدة بفضل البهلوانات والكذابين والمتخصصين، فلم تعد مهنة التسول مثل السابق حكرا على فئة من الناس، بل أصبحت بالنسبة لهم علما يضم الكتب والأبحاث.