ما أجمل البلاد التي يكثر فيها أهل العطاء، وما أروع الذين يتفانون في البذل بلا منة، ومملكتنا الغالية حباها الله بالكثيرين من هؤلاء الرجال، عندما تقف متأملا سيرتهم تذهلك عطاءاتهم السخية وتفردهم بهذه السمة الإنسانية النادرة. لا أتذكر من قال “إذا شئتم أن تتذوقوا أجمل لذائذ الدنيا وأحلى أفراح القلوب فجودوا بالحب والعطاء كما تجودون بالمال”، إنّ الحملات التي تطلقها الجمعيات الخيرية واحدة من أروع صور العطاء في بلادنا، ذلك أنّها تجسد سمة التكاتف وفي ذات الوقت تخفف ما يكابده البعض من آلام ومشاق، وهذا الفعل الإنساني ليس وقفا على الجمعيات وحدها، لكنه متجذر في الأفراد أيضاً والظاهرة تعود إلى عقود مضت.
وأمامنا واحد ممن سطروا مواقف مشرفة في هذا المجال، وهو المربيّ الأستاذ عبدالرحمن بن دعيج الذي يتمتع بدماثة الخلق وحبّ متأصل للبذل، حيث قضى الشطر الأكبر من حياته في سلك التربية والتعليم معلماً وإدارياً وفي كليهما كان إنسانا نادر المثال، كان من المعلمين الذين لا يمحون من الذاكرة في كل الفصول وكل السنوات، ومن هنا لا غرابة أن يستوطن القلوب بمناقبيته العالية، وعندما أوكلت إليه مهمات الإدارة المدرسية لم يمارسها بفوقية واستعلاء كما فعل البعض، لكنه – وبشهادة جميع من عاصره - كان أخا وصديقا للجميع.
من السمات التي تفرد بها هذا المربيّ الفاضل أنه كان بشوشا على الدوام رغم ما يكابده من آلام مبرحة وآثار الحزن الخفيّ في عينيه، كما أنه بتواضعه الجم أسر قلوب كل من عرفه عن قرب، وكانت تخجله كلمات المديح لما ينهض به من أداء في الحقل الخيري والإنسانيّ، ويتحاشى كلمات الثناء والعرفان التي يسبغها عليه كل من قدم لهم عونا وكأنه يقول ما أؤديه ليس أكثر من واجب بل هو عطاء المُقل!
المدهش في من هم على شاكلة هذا الإنسان النادر في بلادنا الحبيبة أنهم عابرون لكل الهويات الصغيرة، كونهم يمثلون نموذجا أحرى بالآخرين الاقتداء به.