العدد 4757
السبت 23 أكتوبر 2021
banner
واقع الإعلام العربي ومستقبله
السبت 23 أكتوبر 2021

للإعلام دور حيوي في جميع الدول والمجتمعات مهما تباين هذا الدور واختلفت مساحته، لكنه يظل في النهاية أحد المؤثرات الكبرى سواء في صنع القرار على صعيد الدول أو في صنع الرأي العام على مستوى الشعوب.
ويمكننا النظر إلى الإعلام من زاويتين، الأولى هي كونه أحد أهم روافد الديمقراطية التي لها منزلة مهمة في النظم الديمقراطية؛ باعتبارها إحدى ركائز الحقوق والحريات الأساسية التي ترسخها هذه النظم.
والزاوية الأخرى كون الإعلام أحد أهم الدوافع والأسباب نحو نشر ثقافة وقيم الديمقراطية، ومن ثم ترسيخ الديمقراطية. ومن هنا نجد أنه جمع بين كونه غاية ووسيلة في ذات الوقت.
وقد ساهمت الثورة التقنية والمعرفية التي يشهدها عالم اليوم، وتعاظم الدور الذي تلعبه في خلق القناعات والأفكار، في زيادة أهمية دور الإعلام، ليطال جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. 
فالعالم كله بمثابة “قرية صغيرة” وبتنا أمام “عولمة الوسائل الإعلامية”، حيث اختفت الحدود الإعلامية بين الدول، وزاد تأثير الرأي العام الدولي على الرأي العام الداخلي.
وإذا كنا بصدد الحديث عن الإعلام العربي، فإن الحقيقة الأولى هي أننا لسنا إزاء إعلام عربي موحد، بمعنى أنه لا يوجد برنامج إعلامي عربي متكامل أو إطار منظم ومتفق عليه عربيا، فالأمر هنا يخضع للأنشطة الفردية في الغالب بعيدا عن المنظومة الجامعة وهي جامعة الدول العربية.
والأكثر من ذلك أن هذه الأنشطة الفردية للمؤسسات الإعلامية العربية المختلفة لا تسير بشكل منسجم ومتوافق في كل الأحوال، بل نراها متنافسة ومتنافرة في بعض الأحيان، ولكل منها إستراتيجياتها التي تحددها. 
الحقيقة الثانية المهمة في هذا الإطار هي ما يتعلق بنظرة المواطن للإعلام عمومًا، حيث إنه لا يرى فيه صوتًا معبرًا عن نفسه ومشكلته وقضاياه بقدر ما يراه صوتًا للدولة ومروجًا لها.
هذا الأمر يؤدي إلى زعزعة الثقة بين المواطن ووسائل الإعلام التقليدية، وانصراف المواطن العربي إلى استخدام وسائل الإعلام الجديدة كأداة للتعبير عن مطالبه أو حتى لمعرفة ونشر الحقائق، فقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها إحدى وسائل الإعلام الحديثة المجال للمواطن العربي كي يكون فاعلاً مؤثراً في العملية الاتصالية.
ومن ضمن إيجابيات وسائل الإعلام الجديدة أو ما يطلق عليه الإعلام الرقمي أنها وضعت الإعلام التقليدي على المحك وفرضت عليه المراجعة والتقييم والتفكير في انطلاقة قوية ومختلفة شكلا ومضمونًا.
وبات هناك ما يشبه الرقابة والمتابعة لما ينشر من أخبار، فلم تكن الوسائل الإعلامية التقليدية بمفردها في الساحة، بل في منافسة وتحدٍّ مع الإعلام الرقمي بتنوعاته وثرائه وجاذبيته للناس وسهولة اقتحامه وكلفته المنخفضة.
صحيح أن هذا الوضع وتلك المنافسة بين هذين النوعين من الإعلام صبت في صالح الجمهور والقارئ والمشاهد والمستمع، إلا أنها فتحت المجال لقوى خارجية للعبث بولاءات وتوجهات بعض أفراد المجتمع، وأدت لتشويه الكثير من الحقائق والقيم، لا سيما في ظل ما تملكه المنظومة الإعلامية الأجنبية، من إمكانات تأثيرية هائلة وتمويل مالي كبير، فأصبح لها الدور الأبرز في تشكيل هوية وثقافة الشباب العربي في الوقت الذي ارتضت به غالبية الدول العربية بدور المتلقي، فحتى الآن لا توجد وكالة أنباء عربية بقوة الوكالات العالمية التي نعرفها ونستقي منها المعلومة كمصادر موثوق فيها مثل رويترز أو غيرها.
كل هذا يفرض على الإعلام العربي أن يسارع الخطى ليلحق ويتفوق على هذا الإعلام الجديد، وأن تتوافر فيه عوامل الجذب للجمهور خصوصا من حيث: الاعتماد على التقنيات، غزارة المعلومات ومصداقيتها، وسهولة الوصول إلى المعلومات، وإتاحة المشاركة للجمهور في صناعة المحتوى الإعلامي، وتقليل التكاليف، واقتراب الإعلام من رغبات المواطن واحتياجاته.
وإضافة إلى هذه الحقائق التي تتعلق بالإعلام، هناك وضع عربي عام يحد من دور الإعلام ويؤثر في محتواه وجاذبيته، ومن ثم فإن معالجة هذا الوضع وتصحيحه يسهم في بناء الثقة بينه وبين المواطن ويزيد من فعالية محتواه وتأثير مضمونه. ومن هذه العوامل على سبيل المثال: عدم مواكبة كثير من التشريعات والتنظيمات الإعلامية في العالم العربي مستجدات الإعلام الجديد، وتضخم الهياكل المالية والإدارية بقطاعات الإعلام، وعدم اتساع المحتوى العربي على شبكة الإنترنت بما يسهم في تعزيز دور الصحافة الإلكترونية، والثقافة الانتقائية التي يتسم بها المواطن العربي في اختياره الموضوعات التي تستهويه والوسائل الإعلامية التي يرتاح لها ويثق فيها.
ورغم كل ما سبق، فإن وضع الإعلام العربي على مسار المنافسة العالمية ليس أمرًا مستحيلا وإن كان صعبًا ويتطلب جهدًا وعملا متكاملا على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، ومن جملة المقترحات التي يجمع عليها جل الخبراء والعاملون بالإعلام إعادة النظر في التشريعات العربية الحالية لتكون مواكبة لتطورات الإعلام الجديد، مع الاستفادة من الإنجازات الغربية بما لا يخل؛ بهدف الحفاظ على خصوصيتنا وهويتنا وقيمنا وثقافتنا، والاستفادة المثلى من طاقات وإبداعات الشباب بإشراكهم في صناعة المحتوى الإعلامي العربي، فهم يشكلون النسبة الأكبر من غالبية المجتمعات العربية، وهم الأقدر والأكفأ في التعامل مع الإعلام الجديد ولا ينبغي ولا يمكن تجاهلهم، مع إعطاء مزيد من الاهتمام والمساحة الأكبر للاحتياجات الاجتماعية والنفسية والثقافية للإنسان العربي كإطار عمل رئيس للإعلام العربي، فقد اكتشف العالم العربي خلال جائحة كورونا أن ثمّة قضايا أكثر أهمية للبشرية مثل الصحة والطب، وغيرها من الموضوعات ذات الارتباط ببقاء الإنسان وتطوره.
من الأمور التي تساعدنا في تحقيق ما نصبو إليه من إعلام عربي قوي ومؤثر أن نبتعد عن الخطاب الإعلامي العربي النمطي المنفصل عن حركة المجتمع، واعتماد خطاب جديد منسجم مع الواقع وأكثر ملامسة له، مع الانفتاح على تجارب الإعلام الرقمي، والتطوير المستمر للعاملين بالإعلام؛ حتى لا تتسع الفجوة بين التطور الرقمي والبشري أو المهاري بالواقع الإعلامي، خصوصا في مجال الصحافة، حيث يجب على القائمين على الصحف المكتوبة دعم استمرار الوجود القوي للصحف، وتحقيق سبل التكيف مع الوضع الراهن والتأقلم مع أنماط إنتاج المواد الإعلامية وأنماط استهلاكها والعمل على تعزيز العلاقة مع القراء من خلال التميز والابتكار في تغطية الأخبار، وأن تضمن لنفسها مواقع رقمية متميزة بالتوازي مع التوزيع الورقي وتشجيع الإعلان على هذه المواقع.
العنصر البشري له دور مهم وإستراتيجي في الوصول إلى هذا الإعلام القوي، وهو ما يفرض إعادة تأهيل العنصر البشري في مجال الإعلام وإعادة تقييم المناهج والمقررات المعتمدة بجامعاتنا ومعاهدنا الإعلامية، وتنظيم برامج التدريبية في المؤسسات الإعلامية، مع الحرص على عقد منتديات ومؤتمرات عربية جامعة لقادة الإعلام العربي؛ لتحديد سياسات وأولويات الإعلام العربي في تلك المرحلة والمرحلة المقبلة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .