العدد 4700
الجمعة 27 أغسطس 2021
banner
أفغانستان... من يملأ الفراغ
الجمعة 27 أغسطس 2021

تهاوت المدن والمحافظات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى في أيدي حركة “طالبان” بشكل مفاجئ، بينما كانت توقعات الاستخبارات الأميركية أن تصمد حكومة كابول ستة أشهر على أقل تقدير قبل أن تكون الحركة قد أحكمت قبضتها على العاصمة، وأدى هذا الانهيار لحدوث فراغ استراتيجي، وأثار قلقاً كبيراً لاسيما لدى دول الجوار الأفغاني.

لكن في عام 2021 هل ستكون طالبان نسخة معدلة من السابق، وهل سنشهد تغييرات حقيقية في سياساتها داخلياً وخارجياً، في الواقع إن الخطابات التي صدرت من بعض قادة طالبان ومنهم المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد في أول مؤتمر صحافي للحركة تضمنت تطمينات وتعهدات للداخل والخارج، حيث تعهدت الحركة بإعطاء النساء حقوقهن في العمل والتعليم، وإلزامهن فقط بارتداء الحجاب في إطار قوانين الشريعة الإسلامية، وهو مفهوم مطاط وعام، كما أصدرت الحركة عفواً عاماً عن موظفي الحكومة وكذلك قوات الجيش والمتعاونين مع القوات الأميركية وقوات حلف الناتو، وطالبت الشباب الأفغان بالبقاء في أفغانستان لتنمية بلدهم، إضافة إلى تعهد الحركة بألا تكون أفغانستان نقطة تهديد للدول الخارجية أو دول الجوار، بما يعني أنها لن تكون مأوى للتنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، لكن على المستوى العملي فإن الدول الخارجية والغربية اتسم موقفها بالحذر من تعهدات وتصريحات قادة طالبان، ورهنوها بتغيير حقيقي في سلوك الحركة على أرض الواقع، أي ترجمة الأقوال إلى أفعال. في المقابل، أطلق الانسحاب الأميركي من أفغانستان سباقاً بين عدة توازنات إقليمية لملء الفراغ، حيث بدأت باكستان وإيران وتركيا ناهيك عن روسيا والصين كل منها تعد نفسها لمرحلة ما بعد أميركا، فباكستان البلد المجاور سيزداد نفوذه بحكم العلاقة التاريخية، وستعمل إيران على أن تحقق موطئ قدم لها في أفغانستان عبر أقلية الهزارة، بينما ستسعى تركيا إلى دور عبر بناء تواصل مع حركة طالبان وتقديم الدعم الأمني الذي تحتاجه الحركة، كما تلوح بوادر تفاهم بين بكين وحركة طالبان من ناحية، وروسيا وطالبان من ناحية أخرى تتمثل في تأكيد الحركة أنها لن تتدخل في قضية “الإيغور” المسلمين في الصين باعتبارها أمراً داخلياً، كما أكدت الحركة أنها ستعمل على تحسين علاقتها مع روسيا. هكذا مرت الأعوام العشرة للوجود السوفيتي، تماماً كما مرت الأعوام العشرون على الغزو الأميركي وقبلها الاحتلال البريطاني في القرن التاسع عشر من دون أن يغير ذلك شيئاً من طبيعة الأفغان، وكأن الشعب الأفغاني يقول يأتي من يأتي ونحن باقون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية