+A
A-

ندى نسيم: ما بين الأدب والتخصص أسعى لتعزيز مظاهر الصحة النفسية لتصبح ثقافة مجتمعية

أصدرت الروائية البحرينية ندى نسيم رواية بديع المحيا في 2018، وهي باحثة في المجال النفسي والأسري لديها خبرة في مجال الإرشاد والاستشارات النفسية والتعامل مع قضايا المجتمع، وجعلتها قريبة جدا من قضايا الناس ومشاكلهم ومعاناتهم، وبالتالي تحمل لنا في سطور كتاباتها جوانب كثيرة من التحليل النفسي وطرح مجموعة من القضايا الاجتماعية والنفسية التي تأتي بعد سنوات من العمل بالتعاطي مع مشكلات الناس وكيفية توظيفها في العمل الروائي.

ومؤخرا صدر لها عن دار أفكار للثقافة والنشر رواية (عشت خادمة) تتحدث فيها عن سلسلة جديدة من القضايا النفسية والاجتماعية من خلال طرح حكاية تجسد فيها تجربة الأفراد في التعامل مع خبرات الحياة المتفاوتة والتي تجعل أحيانا سوء اتخاذ القرارات في الأمور الحياتية المصيرية بمثابة الفخ الكبير الذي يجعل الأشخاص رهائن للأقدار الصعبة، مؤكدة بأن قضايا المجتمع تتشابه في مضمونها، ولكن الاختلاف يكمن في طريقة الطرح التي تعتمد على رؤية الكاتب وطريقة توظيفه للقلم في بناء السرد، كما أن المسؤولية الأدبية تتضاعف عندما يصب العمل الروائي ليعكس الرواية الواقعية التي يهيمن عليها الاتجاه النفسي والاجتماعي، فالكاتب في هذا المجال ملزم بكتابة ما يعجز الأفراد عن البوح به من خلال بناء رواية متكاملة العناصر تتضمن  الشخصيات والحبكة وبناء عناصر الزمان والمكان.. عن هذا الإصدار وأمور أخرى عن أهمية الاهتمام بالصجة النفسية تحدثت معنا الروائية عن الاستشارات النفسية والتعامل معها ومضمون إنتاجها الثاني الجميل في هذا اللقاء الشائق معها:

كيف أصبحت مهتمة بمجال الصحة النفسية؟

إن هذا الاهتمام هو انعكاس لتحقيق الأهداف المهنية وتعزيز للتخصص الدراسي بعد سنوات من الخبرة، حيث إن مساري لم ينفصل عن العلوم الإنسانية منذ الصغر، تخرجت من المرحلة الثانوية من قسم علم النفس والفلسفة، ومن ثم واصلت الدراسة في تخصص الخدمة الاجتماعية وصولا إلى الدراسات العليا في علم النفس والإرشاد الأسري، لأجد نفسي عائمة في بحر الصحة النفسية الذي يضم الجوانب النفسية والأسرية ويسلط الضوء على مشكلات الطفولة والمراهقة وجميع فئات المجتمع، حيث يترجم هذا المجال الحيوي التعامل مع الأفراد وحل مشكلاتهم وتمكينهم للعيش بصورة مستقرة تتحقق فيها السعادة، ولعل ما صقل هذا الاهتمام أكثر هو تجربتي في العمل بالعيادات النفسية، حيث أثرى الجانب الميداني الإكلينيكي خبرتي ومهاراتي في التعامل مع المشكلات المختلفة، عدا عن خبرة التدريب في المجال نفسه والمساهمة في إعداد الدراسات النفسية، أستطيع أن أقول إن مجال الصحة النفسية في حياتي ثقافة فكرية أحملها وأتطلع إلى المزيد من الإنجازات في هذا الحقل.

ما الإستراتيجيات والأساليب العلاجية في حل المشكلات؟

هناك العديد من الإستراتيجيات والأساليب العلمية المتبعة في حل المشكلات المنبثقة من النظريات في العلاج النفسي والأسري، وهنا لابد من الإشارة أن التنوع في الأساليب العلاجية يأتي وفق المشكلات ودرجتها والفئة العمرية المستهدفة، وهناك العديد من النظريات التي تستخدم في العلاج ولها فاعلية كبيرة كالنظريات السلوكية التي تساهم في تعديل السلوك والنظريات المعرفية التي تستخدم لتعديل بعض الأفكار اللاعقلانية كما تستخدم نظرية الإرشاد السلوكي الجدلي لعلاج بعض الشخصيات المضطربة.

هل تجاربنا الشخصية مهمة لإعطاء النصائح للآخرين؟

هذا سؤال مهم وجميل، إن من يقدم الاستشارة النفسية بالصورة العلمية لابد أن يتحلى بمواصفات خاصة ومنها أن يكون منفتحا على الحياة ويكون صاحب خبرة مع عدم إغفال الجانب العلمي والمهاري بلاشك أن نقص الخبرة سيؤدي إلى محدودية الفكر في التعامل مع المشكلات والمواقف المختلفة وعدم القدرة على التعامل مع الأفراد بصورة تحقق النجاح، ولكن الموضوع هنا يتطلب من المعالج الحيادية والموضوعية الكبيرة في العلاج وأثناء حل المشكلات لكي لا يعكس تجاربه الشخصية والخاصة على الآخرين؛ لأن المعالج يعمل على مساعدة الحالة على الاستبصار ورؤية الحياة من زاوية مختلفة مع ترك الحرية للشخص في أخذ القرارات ولا يملي عليه تجاربه الشخصية.

ظهرت في الآونة الأخيرة مسميات كثيرة لأشخاص يقدمون المساعدة ويحلون المشكلات "الكوتش – اختصاصي السعادة".. ما رأيك؟

يسعدني دائما اهتمام الناس بالمجال الإنساني والتركيز على الفرد؛ لكونه محورا مهما يستحق الدعم وتيسير له كل سبل العيش الآمن والسعيد، وأشيد دائما بالجهود الفردية التي تسعى لتقديم المساعدة أو نشر السعادة وتمكين الآخرين من تجاوز العقبات، ولكن في الوقت ذاته أنا مع فكرة تعزيز التخصص والمتخصصين الذين درسوا علم النفس وعلم الاجتماع وتعرفوا على النظريات ومارسوا العمل الإنساني في مؤسسات معتمدة كالمدارس أو المستشفيات أو المؤسسات الاجتماعية الرسمية، ومروا بخبرات حقيقة لا تعتمد فقط على المهارة في حل المشكلات أو مهاراة الإقناع، خصوصا أن هذا المجال لا يشبه أي مجال آخر.

إن إحداث التغيير في حياة الناس ليس بالموضوع السهل ويتطلب خبرة وخوضا حقيقيا في الميدان واجتهادا من أجل النجاح واستمرارية في التعلم.

هل مازلنا نخاف من الاستشارات النفسية؟

إن موضوع الوصمة الاجتماعية للاستشارات النفسية من أهم مواضيع الصحة النفسية وهو محور جدل دائما، ولكن الواقع يميل إلى الوعي المجتمعي والصحوة المعرفية لدى الأفراد، فالكثير من الأفراد يلجا للاستشارات النفسية من باب الوعي والرغبة الحقيقية في الحصول على المساعدة، أعتقد بأن الخوف بدأ يتراجع عند الكثيرين؛ نظرا لأهمية الاستشارات التي قد نحتاجها جميعا في حياتنا، وفي ظل تعاملنا مع المتغيرات والأحداث غير المتوقعة أحيانا، وكذلك في ظل وعي الأفراد بأهمية الصحة النفسية ودور المعالجين في الآونة الأخيرة الذي ظهر بصورة واضحة في تقديم الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية، وفي رأيي أجد أن الاستشارات النفسية هي ثقافة فكر.

يا ترى ما دور العائلات في (التدخل السريع) عند بعض الحالات؟

كلما كان هناك لدى الوالدين وعي أثناء التربية بأهمية حل المشكلات ومتابعة الأبناء ومراعاة احتياجاتهم النفسية وتقديم المساعدة لهم التي قد تكون من قبل متخصص كلما كان هناك تعاون من قبل الأهالي في قبول التدخل السريع لحل المشكلات النفسية، ويعد التدخل السريع والكشف المبكر عن الأمراض النفسية أحد وسائل نجاح العلاج في مراحل لاحقة وهناك الكثير من العائلات الحريصة على صحة الأبناء النفسية ونجدها مبادرة في اكتشاف المشكلة، بل تكون طرفا مهما في مراحل العلاج.

كيف في رأيك تأثرنا نفسيا بالجائحة؟

التأثير النفسي للجائحة كان كبير جدا وهذا متوقع؛ لأننا نتحدث عن حدث مفاجئ وضاغط سبب الكثير من الصدمات والخيبات وغير نمط الحياة، بالتالي التعاطي مع هذا الموضوع كان متشعبا من الناحية النفسية والأسرية، لعله ساهم في بروز الأمراض النفسية بوضوح لدى عينة من الناس كالقلق والوسواس القهري وصولا للاكتئاب مع تفاقم حالات الفقد.

عدا عن تغير نظام الحياة الذي ألزم الناس بالتباعد الاجتماعي واقتصار الأنشطة الحياتية على أشياء محددة، مما أثر على الأسرة، وفي أثناء إعدادي إحدى الدراسات الخاصة بالأسرة والتباعد وجدنا أن التباعد في العام 2020 أثر بصورة إيجابية على تماسك الأسر وتكاتفها وزيادة العلاقات وأن الدافع وراء الالتزام هو تحقيق السلامة لأفراد الأسرة.

هناك تأثيرات سلبية بلاشك، ولكن هناك وميض إيجابي برز لدى بعض الأفراد تمثل في مواجهة التحديات وتيسير أمور الحياة، والتعايش مع متطلبات هذه المرحلة والتفاؤل دائماً بزوال الجائحة والعيش بأيام أفضل وأجمل.

لك اهتمام أدبية مع أسرة الأدباء والكتاب.. حدثينا عن ذلك؟

حكايتي مع الكتابة قديمة جدا بدأت منذ المرحلة الإعدادية عندما كنت أكتب الخواطر ثم تحولت لمشاركات جادة في جريدة أخبار الخليج صفحة بريد القراء لأجد نفسي محاصرة بالكلمة سواء كانت شعر أو مقال لأستفيق على رواية تم صدروها في العام 2018.

هكذا كتب لي قدرا جميلا مع القلم الذي لا يفارقني، ومن خلاله أترجم أفكاري وأحرر مشاعري وأشاطر الآخرين أفكارهم وهمومهم.

كما وتشرفت بانضمامي لأسرة الأدباء والكتاب، والحصول على عضوية في مجلس الإدارة في العام 2020؛ سعياً لأكون إضافة مع أحبتي في الوسط الثقافي.

عمَّ تكتب ندى؟

أعتقد بأن قلمي اعتنق مسار التخصص في الجانب النفسي والاجتماعي، حيث إنني أكتب المقالات التي  لها علاقة بذات الإنسان وأفكاره ومعاناته وتصوراته، وبعض المقالات الثقافية، حيث نشرت في الفترة الأخيرة مقالات تبرز الاتجاهات النفسية في الأدب برؤية تحليلية من منظور سيكولوجي، كما أكتب بعض الفلسفات التي تكون حصيلة التأملات في الذات، ولدي اهتمام كبير بالكتابة في الجانب الوجداني والعاطفي، قضيتي الحقيقي في الكتابة هي الإنسان بجانبيه المشرق والمظلم.

كتابك الثاني "عشت خادمة".. لماذا هذا العنوان؟

إن اختيار الكاتب للعنوان من أهم محطات إعداد العمل الروائي ولا يقل أهمية عن النصوص التي تتضمن العمل الأدبي، وفي الواقع تأسرني الرمزية والعناوين المبهمة والغامضة أثناء الكتابة الأدبية، لكني اخترت عنوان قد يبدو واضحا عند قراءته للمرة الأولى ويشرح نفسه، ولكنه يوحي بالكثير من الأفكار لدى القراء، المفاجئة تكمن داخل النصوص وهنا أترك  للقارئ الحكم في إيجاد العلاقة بين العنوان والنص.

بعيدا عن كل ذلك أين تلجئين عندما تحاتجين إلى استشارة نفسية؟

أعتقد أني محظوظة؛ لأني محاطة بالكثير من الأصدقاء والمستشارين في المجال النفسي وجميعهم يشكلون سندا حقيقيا لي وخاصة في الجانب المعرفي والمهني، في الواقع لا يكفيني شخص واحد لأستشيره، بل الأشخاص في حياتي يكملون بعضا في تقديم أي مشورة.