+A
A-

القرنفل التبريزي".. علامة مميزة لهذا الوجود الإنساني والتفكير والتأمل

من الناحية الفنية والشكلية تعد الرواية الأخيرة للزميل والأستاذ أحمد جمعة" القرنفل التبريزي..أبو العلاء المعري وخليله" والتي صدرت عن دار الفارابي وتقع في646 صفحة عمل صعب تبريره في طبيعة المضمون وطريقة معالجته، وبالرغم من أنني للتو بدأت في قراءة الرواية إلا أنني وجدت فيها علامة مميزة لهذا الوجود الإنساني والتفكير والتأمل، وكأنما يريد الكاتب أن يستخلص من الوجود خير ما فيه ويسعى إلى الكشف عما في حياته من قيم كامنة ومعان دفينة.
إنها مغامرة في تاريخ الرواية العربية وإذا كان الدكتور لويس عوض قال ذات يوم بعد أن عرض رسالة الغفران للمعري "ونستطيع أن نقول إن المعري كان ذكيا حينما استخدم ابن القارح"، فإننا نقول إن كاتبنا أحمد جمعة استطاع وبيقظته الروحية أن يطرح التساؤلات والاختيارات التي تواجه الإنسان في الحياة عبر طريقة سرد وبناء نادرة جدا، وحيل ومراوغات فنية من نوعية خاصة، مصوبا انظاره نحو مشكلة "العبث" والحياة المنتشية المليئة بالوعود والحياة الفائضة التي تبدد ضباب المستقبل وخوف الموت. صياغة شفافة رائعة لنفوس تتألم ومحاطة بأسلاك المجتمع المكهربة التي تحمل المأساة في طياتها، وتشعرها بدوار عقلي عجيب.
التعقيد ليس في ذهن الفيلسوف بل في قرارة الوجود ذاته، وهذا ما حاول ان يصفه كاتبنا أحمد جمعة في فقرة من الرواية وهي:
"رأيتك أبا العلاء، من نافذة الزمن تتأمل مبتئسا وكأن الحال واحدة، هنا وهناك، هنا الفقراء لا يأكلون الكرز والأغنياء يزرعونه، الفقراء لا يدخلون الجنة لأنهم يؤمنون بها والأغنياء يدلفون الجنة لأنهم اشتروها، رأيتك تتحدى السماء وتحطم الأصنام وتشك في المرأة وتزهد في الحياة، ورأيت ذاتي مثلك حطمها جحيم الآخرين، ونبشوا جثة الزمن واستخرجوا أحشاء الحقيقة، رأيت الكثير فقررت المجيء إليك.. ابتسم المعري لأول مرة منذ سنين، وقهقه لوهلة وقد تكون الأخيرة، زفر وتنهد واستلقى بجسمه على كنبة مجوسية، مطرزة حواشيها بالأزهار، وأسند رأسه إلى الجدار وقال بنبرة ملؤها السخرية..من لي أن أقيم في بلد أذكر فيه بغير ما يجب، يظن بي اليسر والديانة والعلم وبيني وبينها حجب. كل شهوري على واحدة، لا صفر يتقى ولا رجب، أقررت بالجهل وادًعي فهمي، قوم، فأمري وأمرهم عجب والحق أني، أنهم هدر، لست نجيبا ولا هم نجب".