العدد 4578
الثلاثاء 27 أبريل 2021
banner
ماذا تستورد الولايات المتحدة الأميركية من الهند؟
الثلاثاء 27 أبريل 2021

لفت انتباهي تقرير مصور ورد فيه أن الولايات المتحدة الأميركية تستورد النفط من المملكة العربية السعودية، والسيارات من اليابان، والتلفزيونات من كوريا الجنوبية، ولكن ماذا يستوردون من الهند...!؟.

يقول التقرير إن أميركا تستورد من الهند البشر! وبالتحديد الأذكياء منهم، وكل الذين جرى إغراءهم بالهجرة من الهند إلى الولايات المتحدة كانوا من المتميزين والناجحين والمؤثرين، وعدد كبير منهم يتشاركون في عامل واحد ألا وهو تخرجهم من المعهد الهندي للتكنولوجيا “The Indian Institute of Technology” أو ما يعرف اختصارا بـ “IIT”.

هذا المعهد هو واحد من أهم الجامعات العالمية التي ربما لا نسمع بها خلافا لجامعات أميركا وبريطانيا، لكنه يضع كل ما تقدمه جامعة هارفرد، وأم أي تي، وبريستون مجتمعة في مناهجه، بل وأكثر وأعمق من ذلك كذلك، والتقرير المصور يوضح كيف أن معهد “آي آي تي” الهندي يقدم مستوى عالمي في الهندسة الكيميائية والكهربائية وهندسة الحاسوب في مناهج تعتبر هي الأصعب من نوعها في العالم. وطلب الالتحاق به هو حلم كل طلبة المدارس في الهند، وتدرك حكومة الهند حقيقة أن خريجي هذا المعهد هم الصادرات الأكثر قيمة في البلاد.

وتأثير خريجي المعهد الهندي للتكنولوجيا على الثورة التكنولوجية الأميركية أكبر بكثير مما يدركه معظم الناس، فخريجي المعهد يعملون في أعلى المناصب في شركات أميركية ضخمة مثل جوجل ومايكروسوفت وإنتل وغيرها الكثير، وتكاد لا توجد شركة تقنية أميركية عملاقة إلا ويعمل فيها خريجو هذا المعهد. ثم إن خريجي المعهد لا يتفوقون فقط في شركات التقنية، بل في مجالات أخرى أيضا، فرئيس شركة الاستشارات العملاقة ماكينزي ونائب رئيس سيتي جروب والرئيس التنفيذي السابق للخطوط الجوية الأميركية كلهم من خريجي المعهد أيضا.

من الأدلة البارزة على نبوغ طلبة المعهد الهندي للتكنولوجيا هو أن الكثير ممن فشلوا في الالتحاق بالمعهد استطاعوا الحصول على منح دراسية بسهولة في جامعات أميركية عريقة في مجال التقنية مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في برينستون ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، فلك أن تتخيل مدى درجة ذكاء من استطاعوا الالتحاق بالمعهد بالفعل.

لا زلت حتى الآن احتفظ بالتقرير المصور عن هذا المعهد الهندي في هاتفي، أطالعه بين الفترة والأخرى لشدة إعجابي به، وأفكر لو استطاعت البحرين إقناع إدارة هذا المعهد بافتتاح فرع له في البحرين يخدم الخليج العربي ككل، حينها ستصبح البحرين الوجهة الأولى لكل طلاب دول الخليج العربي، وسيشكل هذا المعهد نموذجا يحتذى به لتطوير التعليم التقني العالي في المملكة والمنطقة ويساير كل الخطط الاستراتيجية المحلية.

كان الغرب قديمًا يتهم دولنا بأنها لا تحبذ التعليم خوفا من التنوير وانتشار الوعي وما قد يحمله ذلك من تهديد للحكم، ولكن خليجنا العربي أثبت لهم عكس ذلك، حيث إن تطوير التعليم كان وما زال على رأس الأولويات، وتمثل في بناء المدارس والجامعات الوطنية واستقطاب الجامعات العربية والأجنبية المتميزة وابتعاث الطلاب للدراسة في مختلف جامعات العالم. ولدى البحرين تجارب مميزة في ذلك من بينها برنامج سمو ولي العهد رئيس الوزراء الموقر للمنح الدراسية العالمية، الذي دشنه سموه منذ أكثر من عشرين عاما منطلقًا من مبدأ أن الشباب هم محور التنمية، وهو برنامج أثمر حتى الآن في إيفاد الكثير من الشباب البحريني المتفوق للدراسة في الخارج ثم الاستفادة من طاقاتهم وعلمهم في خدمة التنمية والازدهار في البحرين.

كل هذه الخطوات المتميزة للارتقاء بالتعليم وتزويد المواطنين بالأدوات اللازمة ليصبحوا صناع قرار فعالين يسهمون في التنمية الوطنية محليًا وإقليميًا ودوليًا، تحتاج أيضًا توفير مجالات تعليمية متميزة تواكب التطور العالمي، ولهذا فإن هذا المعهد الهندي يمثل الفرصة لهذه الطموحات والتميز.

لقد آن الأوان للقيام بمبادرة نوعية جريئة في تقوية العلاقات التعليمية بين مملكة البحرين وجمهورية الهند من خلال استقطاب هذا المعهد للبحرين والذي سيكون مردوده إيجابي في المجال التعليمي للطلبة والمعلمين والتنافسية للجامعات الأخرى في البحرين، خصوصا وأن لدى البلدين الصديقين علاقات تعاون تستند على تاريخ عريق وممتد عبر آلاف السنين من التمازج الحضاري والثقافي والتبادل التجاري بين البلدين والشعبين الصديقين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية