+A
A-

ابراهيم التميمي: منهجي في تعدد الشغف على منهج جلالة الملك

لطالما كان القرار واحداً في اختيار المجال الذي نحلم أن نصبح فيه منذ الطفولة ، يُحتّم أن يكون مهنة وحدة إما طبيب، مهندس، معلم، وغيره. بعدها في مرحلة الثانوية يُضطر الطالب أن يختار تخصص معين للدراسة أدبي، علمي، تجاري. بعدها الجامعة وهكذا حتى في الوظيفة، لكن ماذا لو يكون شغف أحدهم متعدد.
للتعرف عن ظاهرة تعدد الشغف أدناه حوار أجراه يوسف الهاشمي طالب إعلام بجامعة البحرين مع الأستاذ ابراهيم التميمي، ذو شغف متعدد، وهو من أوائل المتحدثين الذين دعوا إلى تعدد الشغف، وهو متميز في مجال تقنية المعلومات والإعلام والتقييم المؤسسي.

 
- هل ممكن أن يكون لكل إنسان شغف متعدد ؟
لا، ليس كل الأشخاص لديهم شغف متعدد، بل توجد فئة معينة من الناس لديها شغف متعدد والفئة الأخرى تكتفي فقط بشغف واحد، ذوي الشغف المتعدد يُعرفون بذوي القدرات الكامنة ، الله سبحانه وتعالى خلقهم بهذه الطريقة بأن تكون لهم القدرة للدخول الى أكثر من مجال والربط بين المهارات ببعضها البعض.

 

- كيف تنظر إلى ظاهرة تعدد الشغف في ظل وجود ثقافة "سبع صنايع والبخت ضايع" المحاربة لها ؟
هذا المثل (سبع صنايع والبخت ضايع ) من الامثال المحبطة للناس، كذلك المثل المعروف ( مد رجلك على قد لحافك ) بدل ان يقول لك بأن تشتري (لحاف) او غطاء جديد ، والكثير من الأمثال المحبطة في ثقافتنا الثقافة العربية التي صنعت تقوقع أكثر، الأصل أن ذو الشغف المتعدد إنسان بمجموعة مهارات يعيش في سعادة متعددة ، وأنا في الحقيقة منهجي في تعدد الشغف على منهج جلالة الملك حفظه الله ، هو فارس، طيار، سياسي من الدرجة الأولى، رجل دولة. وأيضا سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله هو رياضي ومحب لرياضة السيارات، وهو رجل دولة وإقتصادي من الدرجة الأولى ومثقف جدًا في ثقافة الشعوب. وأيضا سمو الشيخ ناصر حفظه الله ، رياضي في مجالات متعددة من مجالات الرياضة، وهو أيضا سياسي في أمور الدولة، و عسكري ويعتبر سمو الشيخ ناصر نموذج مهم جداً لذوي الشغف المتعدد ، وهذا يؤكد أن رسائل القيادة للشعوب دائماً أن يعيش الشغف المتعدد دائمًا لتعيش السعادة.

 
- منذ الطفولة تعلمنا أن نكرس حياتنا كلها في مجال واحد، في إطار محدد ، من الذي يرسم هذا الإطار بحيث يختص الشخص في مجال واحد فقط ؟

من يضع الإطار هم النظام التربوي ونظام الهياكل المؤسسية ، فالنظام التربوي والتعليمي منذ سن صغير في المرحلة الابتدائية عندما يُسأل الطفل ماذا تود أن تصبح عندما تكبر حينها لا يستطيع إختيار تخصصين في نفس الوقت، يتوجب عليه اختيار تخصص أو مهنة واحدة، وهذا خطأ في النظام التعليمي،  فمن حقي عندما أصبح أكبر سناً أن أدرس البكالوريوس في مجال تقنية المعلومات ومن ثم الماجستير في القانون وثم الدكتوراه في مجال علم الاجتماع، على سبيل المثال ، العالم الألماني ماكس بيبر سار على نفس الفكرة، كيف استطاع ماكس أن يظهر بالنظريات العلمية في المجال الاقتصادي ،مالم يكن هو عالم اجتماع، فالتنوع في المهارات يستطيع أن يخلق منك إنسان متفرد عند الاطلاع على أكثر من مجال، نحن للأسف في نظامنا التربوي والتعليمي يجعلك تدرس البكالوريوس في القانون والماجستير في القانون والدكتوراه في القانون أيضًا، وبالتالي تنظر للحياة فقط من زاوية القانون، بينما من حق من يدرس البكالوريوس في القانون أن يدرس شيئ له علاقة بالتحكيم الهندسي مثلاً في الماجستير.
وأما السبب الآخر في محاربة الشغف المتعدد هو الهياكل المؤسسية خاصةً الهياكل الهرمية عفا عليها الزمن فهي تزيد حجم المؤسسة بأن تجعل لكل مهمة وظيفة وهذا غير صحيح، ومن وجهة نظري نحن نحتاج للهياكل الشبكية لا الهرمية.

 

- هل تعارض على أن يكتسب الفرد شُغُفه بدون الدراسة الأكاديمية لها ؟

لا أعارض أبدًا ، الأصل في ذو الشغف المتعدد هو أن يتعلم في البداية بطريقة تُعرف بالطريقة الغير نظامية، بحيث يتعلم من نفسه ويكتسب المهارة من خلال الرغبة في التعلم، حتى وإن لم يتعلمها بالشكل الصحيح في البداية. بعد أن يتعلم المعلومات الغير منتظمة يوثقها أكاديمياً ويصبح مُجاز أكاديمياً.

 

- مامدى احتياج العالم الى أشخاص متعددي الشغف في هذا العصر؟
يحتاج العالم منذ قديم الزمان إلى متعددي الشغف، فعلماء المسلمين كانوا من ذوي الشغف المتعدد مثل ابن سيناء، لم يتطور العلم إلا على يد شخص من ذوي الشغف المتعدد، ينقل فكرة من علم إلى علم آخر ما يسمى بالمقاربة، نحن في الفترة الأخيرة منذ ٣٠ الى ٤٠ سنة في العالم نشأ علم المقارنة وهو مقارنة طبيب بطبيب، مهندس بمهندس، مدرس بمدرس، العالم متجه إلى المقاربة، فمن يود أن يعيش الإبداع عليه الاتجاه إلى المقاربة ، ذوي الشغف المتعدد يطبقون فكرة المقاربة، فينقلون المهارة من تخصص الهندسة إلى تخصص الإعلام مثلاً ، هؤلاء هم من يطورون الأعمال، يمزجون مابين التخصصات يمزجون مابين المهارات، وبالتالي العالم محتاج لأمثال هؤلاء لتعزيز الإبداع.


- ماذا ترد على من يقول أن ظاهرة تعدد الشغف تتعارض مع مبدأ التخصصية والخبرة وأنها قد تشتت الشخص في أكثر من مجال ؟
ظاهرة الشغف المتعدد ليست تشتت، وإنما تنوع ،ولا تحارب التخصصية والخبرة، بالعكس تمامًا متعدد الشغف لديه خبرات، فسيصبح هناك شخص يمتلك خبرة في مجال واحد وهناك شخص يمتلك خبرات متعددة. الأمر الآخر ذوي الشغف المتعدد دائمًا في خلال خمس سنوات إلى سبع سنوات يصلون إلى أعلى مراحل هذا التخصص.


- كونك متعدد الشغف في ثلاثة مجالات (تقنية المعلومات، الإعلام، والتقييم المؤسسي)، حدثني عن تجربتك المهنية في هذه المجالات؟

في مجال تقنية المعلومات خلال خمس سنوات من تخرجي من التخصص في سنة ٢٠٠٢، أصبحت في سنة ٢٠٠٧ مهندس استشاري في مجال تقنية المعلومات، في المقابل ذو الشغف الأوحد من الممكن أن يضل عشرين سنة للوصول لهذا المنصب. في مجال الإعلام تخصصت في التحرير الصحفي سنة ٢٠٠٥ ، وفي غضون ٥ سنوات أصبحت رئيس قسم رياضي في الصحيفة التي عملت بها، في المقابل لكي تصل إلى رئيس قسم في العمل الصحفي يأخذ منك وقت طويل في التخصص الواحد. في مجال التقييم المؤسسي دخلت في هذا المجال سنة ٢٠٠٩، كنت مُقَيِّم متدرب، في سنة ٢٠١٦ أصبحت مُقَيِّم في جائزة إقليمية، وفي  سنة ٢٠٢٠ أصبحت رئيس لجان تقييم في ثلاث جوائز إقليمية في المنطقة، في كل مرة كنت أرتقي إلى وظيفة معينة كنت قد أتساءل عن سبب اختياري، دائمًا يقولون اخترناك لأنك تدمج بين عدة تخصصات.

 

- من هو أفضل نموذج بحريني مشرف لتعدد الشغف؟

أفضل نموذج مشرف في مملكة البحرين بعد جلالة الملك والقيادة في مجال الشغف المتعدد هو الدكتور عيسى أمين، قفي مجال الطب هو طبيب في المسالك البولية، وعلى مستوى العالم هو عضو في الزمالة الإيرلندية، أما في مجال التاريخ هو رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين ومؤلف كتب كثيرة في تاريخ البحرين وهو عضو في لجنة للتراث على مستوى اليونيسكو، أما في مجال الموسيقى فهو يجيد العزف على آلة العود. يملك الدكتور عيسى ثلاثة شُغُف وهو متميز جدًا، ويعتبر علامة بحرينية على مستوى العالم. أعتقد بأن المهارة التي يمتلكها الدكتور عيسى في مجال الطب تحتاج إلى الذكاء في التشخيص والقدرة على الحفظ، والتاريخ كذلك يحتاج إلى القدرة على الحفظ والذكاء في التشخيص، والدكتور عيسى يملك هذه المهارات، فتحول من شغف في الطب إلى الشغف في التاريخ إلى الموسيقى .
 

- ماهو دور الأسرة في احتضان شغف الأبناء المتعدد ؟

الأسرة يجب أن لا تحارب ابنها في تعدد الشغف، الأسرة يجب أن لا تحدد الاختيار لأبنهم تخصص واحد، الأسرة يجب أن تعامل الابن والابنة على أنهم بذرة تسقى بالماء كل يوم لكي تكبر وتصل لمرحلة بأن تثمر الشغف المتعدد عند الأبناء، الأسرة عليها أن توفر كل البيئة الملائمة لنجاح الابن ذو الشغف المتعدد، على سبيل المثال تسجيل الابن في البرامج الصيفية سواء في الرسم او لعب الكرة او عزف الموسيقى، وعليه فليعيش الابن حياته في ما يحب .
 

- بين المجازفة والإبداع، كيف تتحقق معادلة الدمج بين أكثر من شغف في آن واحد؟
ذوي الشغف المتعدد كان الله في عونهم لأن المجتمع يريد أن يصنفك دائمًا سواء كان طائفياً عرقياً وغيره، وهذه هي مشكلة المجتمع، حتى في موضوع التصنيف الوظيفي إذا كنت متخصص في مجال تقنية المعلومات والإعلام والتقييم سيتعامل معك على أن هناك فجوة يريد أن يمليها ولا يتعامل معك ككفاءة بشرية ممكن أن يستثمرها فهي حقيقة مجازفة هناك أُناس يخفون الشغف المتعدد ويبرزون فقط جانب، ولكن هذا غير صحيح، فعلى المجتمع أن يقبل بهؤلاء الأشخاص ولا يجبرهم على التحول من الشغف المتعدد إلى الشغف الأحادي. معادلة الدمج مابين أكثر من شغف تعتمد على كيفية قدرة الشخص بنقل المهارة مثلًا خريج بكالوريوس قانوني يفكر في دراسة ماجستير في مجال التخطيط الاستراتيجي وهكذا يكون الدمج قوي جدًا.
 

- قد يشعر مُتعدد الشغف بالملل حيال مجال معين دخل فيه كونه مكتشف. برأيك، هل يستمر في المجال حتى ينتهي منه أم يبتعد عنه ويبحث عن مجال آخر؟

ذو الشغف المتعدد لا يشعر بالملل بل يشعر بالتشتت أحياناً، لأن كل الاهتمامات التي لديه في نفس الأولوية، ولكن يجب عليك أن تفرق ما بين ذو الشغف وذو الفضول. الشغف في بعض الأحيان يكون خادع جداً، مثلاً إذا كنت شغوف في مجال الإعلام يجعلك فقط تفكر بالأرقام، كم برنامج شاركت فيه؟ في كم نوعية برامج شاركت؟ كم برنامج أنتجت؟ تعلمت أي نوع من أنواع المهارات في الإعلام؟ وغيرها ، ولكن الواقع أن ذو الشغف المتعدد يجب أن يتحلى بالفضول الذي يجعلك في كل مرة تتعلم شيء جديد، أما الشغف في بعض الأحيان يشغلك ويجعلك أن تصبح منتج وليس منافس، فتركز على الكم في الإنتاج ، ولكن الفضول يجعلك تركز على النوعية في الإنتاج لذا يجب عليك المزج ما بين هذه الأشياء.


- غياب اكتشاف الشُغُف والمهارات ما الذي سيترتب عليه ؟
يترتب على ذلك ضياع الإبداع وانخفاضه في البلد، فالعالم العربي يُعاني من انخفاض الإبداع والسعادة. الشغف المتعدد ما هو إلا أحد أسباب السعادة وهو يرفع مستوى الإبداع، فعندما تقل نسبة الشغف لدينا ستقل نسبة السعادة والإبداع.
 
- ما هو الوقود المحرك لتنمية شغف الإنسان؟
الوقود المحركة لهذا الفرد حُبه للاطلاع، التعلم، وتنمية الذات.
 
- رسالة لمن لايزال يقف على شَغَف أوحد؟
نصيحتي لذوي الشغف الأوحد افعل ما تُحب ولا تُحارب الأشخاص ذوي الشغف المُتعدد. وأما بالنسبة لأصحاب الشغف المتعدد واصلوا في التعلم، فالله سبحانه وتعالى رزق كُل شخص ذكاء بمجالات معينة والبعض الآخر كان رزقهم أن ينصبُ ذكاءهم في مجالٍ واحد، وهذا لا يُقلل من قيمتك كفرد تحمل الشغف الأوحد ولا يُهددك أو يُحاربك ما غير ذلك، بالعكس فكلٌ ميسرٌ لما خُلِق له، فعش كما تريد وبما أعطاك الله سبحانه وتعالى من إمكانيات ومهارات.