“البلاد” تحاور الوزيرة السابقة البلوشي عن مشاهد الوزارات الثلاث وشغفها الجديد
تنسيق مع البلديات لإنشاء طرق تعليمية للأطفال وأفراد الأسرة
تحركت لإصدار قانون الضمان والطفل والتسول والمسنين وذوي الإعاقة وكثيرون يجنون ثمارها
كثير من مواقف المنظمات الحقوقية المعروفة مُسيّسة
أبدت سمو قرينة جلالة الملك إعجابها بمشروع مسابقة قصص المدارس المصغرة
كلما أرى آخر “سيلفي” مع الموظفين بوزارة التنمية تدمع عيني
كان موظفو “الصحة” في حالة نفسية صعبة عندما توليت الوزارة
التحدي كان كيف يمكن للوزير أن يجمع الجميع ويعيد التوافق
500 موظف بالمؤسسة الحكومية الواحدة هو العدد المناسب للسيطرة على العمل
إشراك القطاع الخاص بشكل أكبر في المشروعات الحكومية الصحية
عدت لشغفي بالتدريس بطريقة جديدة في “بحرين ترست”
جاءتني فكرة المدارس المصغرة بعد زيارة مخيمات اللاجئين في الأردن
أنشأت “بحرين ترست” مدرسة مصغرة داخل البحرين و8 خارجها
أتطلع لافتتاح مدارس مصغرة للأطفال بالمستشفى العسكري ومستشفى الملك حمد
مشروعات البحرين الحقوقية جديرة بالدعم والتشجيع وليس الهجوم غير المبرر
بعد مضي 6 سنوات على مغادرة د. فاطمة البلوشي العمل الحكومي فإنها عادت لشغفها في التعليم من خلال مشروعات جديدة أطلقتها عبر مؤسسة أهلية أسستها وأسمتها “بحرين ترست” وتتولى رئاسة مجلس أمنائها. ومن المشروعات التعليمية المقبلة للمؤسسة إطلاق مشروع الفضاءات التعليمية، وهي مواقع متاحة لتلقي التعليم والمعرفة، وجاري التنسيق مع بلديات المحافظات لإنشاء طرق وحدائق وفضاءات تعليمية تصب في مصلحة إعادة إحياء الطرق والأحياء والتماسك الاجتماعي للأفراد من مختلف الفئات، وبخاصة ربات البيوت والمتقاعدين والأطفال والمراهقين، وسيكون متاحًا في الفضاءات التعليمية تلقي التعليم بطريقة غير مباشرة.
في لقاء “البلاد” مع د. البلوشي نتوقف عند محطات من الذاكرة مع وزيرة حملت أثقل الحقائب الوزارية بالفترة الماضية وفي أوقات صعبة. وتروي من خلال هذا اللقاء عددًا من المشاهد العالقة في ذاكرتها من فترة تولي المسؤولية العامة بوزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية والصحة.
لحظة وداع
في ديسمبر 2014 التقطتِ صورة وداعية (سيلفي) رفقة الموظفين بوزارة التنمية الاجتماعية.. اليوم وبعد مضي 6 سنوات على مغادرة مقعد الوزارة ما الأمور العالقة في ذهن الدكتورة فاطمة البلوشي من أجمل 10 سنوات عاشتها في حياتها بالوزارات الثلاث؟
- العمل الوزاري كان مرحلة مهمة جدًّا في حياتي، فقد تعلمت الكثير واستطعت أن أضيف للآخرين من خلاله. عند التقاط الصورة الأخيرة مع الموظفين فقد كانت لحظة وداع. وكنت أوصيهم بأن يعتنوا بالوزارة والمشاريع التي قمنا بها.
كما أخبرتهم أن الوزارة ليست مقتصرة بشخص الوزيرة وإنما بمن يعمل فيها.
وهذه الصورة من اللحظات الجميلة في حياتي.. ولا زالت عيني تدمع عند رؤيتي لها، إذ كان فريق عمل الوزارة متميزًا.
مشاهد عالقة
دائمًا ما يرتبط العمل بقطاعات وزارة التنمية الاجتماعية مع المشاهد الإنسانية للفئات الاجتماعية المختلفة.. ما القصة أو المشهد الذي يحضر في ذهنك لموقف سابق تعرضت له بهذا الخصوص؟
- أذكر في أول يوم من صدور مرسوم تعييني تلقيت مكالمة من طفل في دور الرعاية الاجتماعية (مجهولي الأبوين). وقال لي: أنت الآن وزيرتنا.. وتحادثنا لفترة.. وبعد انتهاء المكالمة بكيت.. شعرت حينها بعظم المسؤولية.. وانتابني خوف.. حيث أصبح هؤلاء الأطفال في رقبتي.
وأذكر كلمات ابنة مسنة مشاركة في أندية رعاية الوالدين.. التقتني بعد وفاة والدتها.. وعبرت عن شكرها.. وأبلغتني بأن مبادرات الوزارة في أندية الوالدين غيّرت من حياة والدتها وجعلتها سعيدة في آخر سنوات عمرها بسبب نوع الخدمة والبرامج والرعاية والأنشطة.. هذه الكلمات كانت مؤثرة جدا.. لقد أدخلتُ السعادة في حياة إنسانة مما يبعث على البهجة في النفس.
كما أذكر موقفًا أيضًا عند افتتاح مركز حماية الطفل التابع للوزارة، حيث يعنى هذا المركز بصيانة حقوق الأطفال المتعرضين للتعنيف، وكان المركز يعالج الضحايا نفسيًّا من خلال الرسم، وأبكتني لوحات طفلة معنفة عبّرت برسومات قاسية عن كيفية تعرضها للاعتداء الجنسي، وكانت لوحاتها مؤلمة ومؤثرة جدا وتعكس ما تتعرض له من إيذاء.
وبعد مرور أشهر من العلاج النفسي للطفلة، رأيت لوحات الفتاة وقد تغيرت إلى الأفضل، وتحول السواد في أعمالها إلى ألوان خضراء مليئة بالحياة والطيور والشمس الساطعة والورود. وتأكدت حينها أن مركز حماية الطفل هو من أهم إنجازات الوزارة.
قوانين مثمرة
خلال فترة توليك المسؤولية العامة جرى التركيز على تأمين شبكة الأمان الاجتماعي للفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا، فما أبرز التشريعات التي تحركت عليها ويجني البحرينيون ثمارها اليوم؟
- وجود شبكة للأمان الاجتماعي مهم جدا بالدول المتقدمة. وخلال فترة 10 سنوات أمضيتها بالحكومة نجحت بالتعاون مع السلطة التشريعية في إصدار قوانين عديدة، ولكن أعتبر 8 قوانين منها هي الأهم، ومازالت كثير من الفئات الاجتماعية تجني الفائدة من مكاسب هذه التشريعات.
وأول هذه التشريعات تقنين تقديم المساعدات الاجتماعية عبر قانون الضمان الاجتماعي (صدر بالعام 2006)، حيث جرى تنظيم منح الدعم للأسر وفقا لمعايير محددة وضوابط واضحة.
ومن بين التشريعات المهمة قانون حقوق المسنين، وقانون مكافحة التسول والتشرد، وقانون الأشخاص ذوي الإعاقة، وقانون حماية الطفل الذي استغرق قرابة 7 سنوات لإقراره بعد مناقشات بين الحكومة ومجلسي الشورى والنواب، ولله الحمد فقد صدَّق جلالة الملك على القانون وأصدره بالعام 2012.
أما فيما يتعلق بتطوير عمل منظمات المجتمع المدني فقد عكفت الوزارة على إعداد مسودة مشروع بقانون جديد وعصري لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية، وقد كانت المسودة تحمل بنودا متطورة بالتشاور مع المنظمات الأهلية، وتعكس التقدم الحقيقي لعمل المجتمع المدني بالبحرين. ومن المؤسف أن هذا الاقتراح قد تم سحبه من البرلمان. وإن شاء الله يتم تقديم قانون آخر متقدم لعمل الجمعيات الأهلية.
الحقوق المُسيّسة
- المنظمات الحقوقية المعروفة مثل “هيومان رايتس” و”منظمة العفو الدولية” وغيرهما دأبت على إصدار بيانات ضد البحرين ودول أخرى.. من خلال تجربتك في التعاطي مع هذه المنظمات.. كيف تعاملت معهم وما سبب نظرهم المستمر للجزء غير الممتلئ من الكأس؟
- من خلال تواصلي معهم خلال تلك الفترة أثناء تولي المسؤولية العامة فإن كثيرًا من مواقف هذه المنظمات مرتبط بالمواقف السياسية.
كما لاحظت وجود حالة من التسييس في عمل هذه المنظمات، ويحاولون الضغط على الدول من خلال قنوات عديدة في هيئات دولية أو أممية مختلفة.
وأشير إلى أن ما حققته حكومة البحرين أثناء انتشار جائحة كورونا من خدمات مجانية ولم تفرق فيها بين المواطنين والمقيمين يمثل قمة التعاطي الإنساني لدى الدولة، وهو ما لا تنظر له هذه المنظمات.
لقد أطلقت البحرين الكثير من المشروعات والمبادرات التي تسهم في تطوير ملف حقوق الإنسان، وأنجزت إصلاحات عديدة، وهي جديرة بالدعم والتشجيع وليس الهجوم غير المبرر.
الطرف الأقوى
توليتِ مسؤولية القائم بأعمال وزير الصحة خلال فترة الأحداث المؤسفة بالعام 2011.. إذا عدنا بالذاكرة للوراء قليلاً.. ما المشاهد العالقة في ذاكرتك من تلك الفترة والتي لا تنسينها؟
- المشاهد كثيرة ومزدحمة.. وما أتذكره عندما أتيت إلى الوزارة فقد كان الموظفون في حالة نفسية صعبة.. واحتاجوا لمزيد من الدعم.. ووقفت معهم وساندتهم وشجعتهم للانطلاق لمرحلة جديدة وطي الصفحة.
ولله الحمد في فترة تولي المسؤولية بوزارة الصحة فقد أجريت تغييرات عديدة ساهمت في وضع الوزارة على المسار الصحيح، ومن أبرز القرارات التي اتخذت نقل تبعية كلية العلوم الصحية من وزارة الصحة إلى جامعة البحرين، وساهم ذلك في تحسين كادر الموظفين بالكلية، وأصبحوا بكادر أكاديمي بعد أن كانوا يعملون بكادر المدارس.
في تجربتي مع المسؤولية بوزارة الصحة فقد تطلب الموقف أن أكون الطرف الأقوى، والذي يشد من أزر الموظفين وفريق العمل. لقد كان دوري أن أنقذ الموظفين من وضع وقعوا فيه.
كانت مرحلة صعبة من العمل، وكان التحدي كيف يمكن للوزير أن يجمع الجميع.. ويعيد التوافق.. ونمضي بالسفينة إلى الأمام.
500 موظف
-الخدمات الصحية في البحرين تتجه اليوم للترشيق بعد الهيكل الجديد لوزارة الصحة.. وإسناد إدارة المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية لمجلس أمناء مستقل عن وزارة الصحة.. وغيرها من مبادرات.. وما تقييمك لإدارة الملف الصحي بالبحرين؟
- مثل هذه الأفكار كانت موجودة سابقا.. ولدي إيمان بأنه يجب ألا يزيد عدد الموظفين بالمؤسسة الحكومية الواحدة عن 500 شخص حتى تستطيع السيطرة عليها، وهو الحل لأي تضخم بالهياكل الإدارية.
كان عدد موظفي وزارة الصحة أثناء حملي حقيبة الوزارة قرابة 10 آلاف موظف، في مقابل عدد الموظفين بوزارات أخرى يصل إلى 300 موظف، وغياب التوازن مضر للوزير والوزارة، ومهما كانت لدى الوزير قدرات إدارية فإنه لن يستطيع إدارة هذا العدد الضخم من الموظفين.
في تقديري بأن القرارات الأخيرة تصب في المسار الصحيح، بحيث يكون دور الوزارة منظما لتقديم الخدمات، ومتابعا للتنفيذ. كما يمكن إشراك القطاع الخاص بشكل أكبر في المشروعات الحكومية الصحية.
شغف التعليم
أغلب الشخصيات الأكاديمية تعود للتدريس بالجامعات بعد مغادرة موقع المسؤولية العامة.. لماذا اختارت د. فاطمة البلوشي إطلاق مؤسسة “بحرين ترست”؟
- للجامعة مكانة خاصة في قلبي. لقد كنت معلمة ورسالتي بالدكتوراة كانت بمجال التربية والتعليم، وقضيت سنوات طويلة من عمري معلمة بالمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية. وربما أعود مستقبلا للتدريس الجامعي.
ولكن قد يكون من أسباب عدم عودتي بالفترة الماضية للتدريس لأنني أريد أن أتحرر من مواعيد المحاضرات الجامعية وارتباطاتها ودوامها، ولهذا انطلقت بالمشروع الأهلي عبر مؤسسة “بحرين ترست”، وقد عدت لشغفي بالتدريس بطريقة جديدة من خلال إطلاق مشروعات تعليمية جديدة. إن أهم محور في عمل المؤسسة هو التعليم ونشر المعرفة.
ولدى المؤسسة مشروع المدرسة المصغرة، وهو إنشاء مشروع تعليمي بكلفة منخفضة، أي إنشاء مدرسة الصف الواحد وتضم جميع المراحل الدراسية بجميع الأعمال. وفي هذه المدرسة لا يجري تدريس مقررات للفئات العمرية وإنما يجري تدريس مشروعات وتعليم الأطفال عليها، ونطلق على المعلم اسم “ميسّر”.
هذه الفكرة جاءتني عندما زرت أحد مخيمات اللاجئين في الأردن ورأيت فعلا أن هذا هو الحل الأفضل للأطفال، وتبين وجود مثل هذه الفكرة لدى منظمات أجنبية، ومن هنا تبلور مشروع مؤسسة “بحرين ترست” وشق طريقه بالتعاون مع الشركاء. وأنشأت المؤسسة حاليا قرابة 8 مدارس خارج البحرين.
وفي داخل البحرين أنشأت المؤسسة مدرسة واحدة. وقد افتتحت وزيرة الصحة فائقة الصالح في 19 سبتمبر 2019 مدرسة دينا كانو ضمن مشروع المدارس المصغرة، والخاصة بالأطفال المرضى بمجمع السلمانية الطبي، وذلك في قسم أورام الأطفال بمجمع السلمانية الطبي (جناح 202) وجناح الأطفال (31)، وتزامن الافتتاح مع بدء العام الدراسي.
وتعتبر مدرسة دينا كانو المصغرة في مجمع السلمانية أول مدرسة مستشفى في البحرين.
وأتطلع لافتتاح مدارس مصغرة مماثلة للأطفال في المستشفى العسكري ومستشفى الملك حمد الجامعي.
ومن المشروعات التعليمية المقبلة للمؤسسة إطلاق مشروع الفضاءات التعليمية، وهي مواقع متاحة لتلقي التعليم والمعرفة، وجاري التنسيق مع الجهات المعنية لإنشاء طرق وفضاءات تعليمية تشجع على التعلم واكتساب المعرفة للأفراد من مختلف الفئات، وبخاصة ربات البيوت والمتقاعدين والأطفال والمراهقين. وسيكون متاحا في الفضاءات التعليمية تلقي التعليم بطريقة غير مباشرة وتنمي الترابط الاجتماعي في الأحياء.
أكثر من رائع
في فبراير 2020 استقبلت صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة مؤسسة “بحرين ترست”.. ما هو مشهد اللقاء وما أبرز نتائجه؟
- اللقاء مع صاحبة السمو أكثر من رائع، وشمل جميع العاملين والمتطوعين بالمؤسسة، وأصغى الجميع للتفاعل الكبير الذي أبدته صاحبة السمو مع مشروعات ومبادرات المؤسسة.
وجرى لسموها خلال اللقاء تقديم أول مجموعة من قصص المدارس المصغرة، وأبدت سموها إعجابها الكبير بهذا المشروع. بالإضافة إلى دعم سموها لفكرة مدارس المستشفى في البحرين. فضلا عن طرح عديد من الأفكار والملاحظات بشأن مشروعات المؤسسة.