مراد: لتكن طموحات الناس واقعية وبحجم التحديات في زمن كورونا
“البلاد” تحاور المصرفي المخضرم رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت
مراد: لتكن طموحات الناس واقعية وبحجم التحديات في زمن كورونا
البلاد تحاور المصرفي المخضرم رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت
يجب أن تكون توقعاتنا مستجيبة لحجم الأوضاع الاقتصادية الاستثنائية
مراد من أول 5 بحرينيين تخرجوا من تخصص المحاسبة في لندن
مراد بنى نظاما إداريا ثابتا لم يكن موجودا قبل 1987
كان تعيين أصغر موظف بالبنك مثل “الفراشين” بموافقة الرئيس التنفيذي
لم يقبل تعيين سلفه الأميركي مستشارا
لم يتردد رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت مراد علي مراد في ضرب موعد مع إدارة صحيفة “البلاد”؛ لمناقشة كتاب سيرته الذاتية المليء بالقصص والعبر.
صدر كتاب “مراد.. وجيل من المثابرة في التألق” في فبراير 2020، وباغتت جائحة كورونا الجميع، بما لم يتح تسليط الضوء على هذا الكتاب القيم عدا في فعاليات عقدت عن بعد.
قصد فريق “البلاد” مقر البنك بوسط العاصمة متسلحا بمذاكرة كتاب من الحجم المتوسط مؤلف من 355 صفحة. يروي فيه المصرفي ورئيس أسرة الأدباء والكتاب إبراهيم بوهندي سيرة مراد منذ سنوات التحدي وصولا لبلوغ الإنجاز.
انساب الحوار بعفوية مطلقة.. مثل شخصية مراد.. أو كما يفضل الجميع تكنيته بـ “أبو علي”.. وكانت البداية مع قصتين عالقتين في ذاكرة مراد دونهما في الكتاب.. الأولى عن إنقاذ البنك من الانهيار بعقد الثمانينات.. والقصة الأخرى مغامرة خاضها في فترة تحرير الكويت من غزو العراق وتكللت بالنجاح ثم دارت رحى النقاشات عن محتوى الكتاب وقصص أخرى.
ترأس فريق الزيارة رئيس مجلس إدارة “البلاد” عبدالنبي الشعلة برفقة الرئيس التنفيذي أحمد البحر ورئيس التحرير مؤنس المردي ومدير التسويق والمبيعات جاسم مشكور ورئيس قسم الشؤون المحلية والمحتوى الإلكتروني راشد الغائب ومشرف التصوير رسول الحجيري.
التعاون والتكاتف
عندما تلتقي رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت مراد علي مراد، فلا يمكن أن تغادر اللقاء دون إضاءة مصرفية من قامة مخضرمة بهذا المجال.
وقال مراد إن “البحرين وكل دول العالم يمرون في الوقت الحاضر بظرف استثنائي لم يعهده أحد.. ومن الضروري زيادة مرحلة التكاتف والتعاون بين القطاعات الاقتصادية وتكون أكثر من الفترة الماضية”.
وأوضح أن “التعاون والتكاتف هو الملاذ؛ لتقليل الضرر الذي يقع على الجميع.. ومنذ انتشار ذروة كورونا فقد العالم 250 مليون وظيفة بالعالم وفق تقرير قرأته مؤخرا.. لهذا يتعين على الجميع أن يقبل بأمور منخفضة مقارنة بالفترات السابقة بجميع المستويات”.
وبيَّن أن “حكومة البحرين اتخذت قرارات غير مسبوقة فيما يتعلق بتقديم حزم التحفيز الاقتصادي لإنعاش الاقتصاد والمؤسسات.. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فإن الحكومة أطلقت مشروعات تنموية إستراتيجية مثل افتتاح المبنى الجديد للمطار وغيرها”.
وقال “يجب أن تكون توقعاتنا مستجيبة لحجم الأوضاع الاقتصادية الاستثنائية.. ولا أحد يعلم إلى متى ستستمر وحجم التأثير السلبي إلا بعد انتهاء هذه الجائحة”.
واستدل على ذلك بقرار البنك بعد تعميم المصرف المركزي بتأجيل أقساط الأفراد بأنه تواصل مع مختلف الشركات التجارية المقترضة، وعرض عليها خيار مد أجل التسديد؛ وذلك لأن البنك يدرك حجم تأثير الجائحة على القطاع التجاري”.
وأشار إلى أن “آلية التعاون والتكاتف الحالية مع الجهات الرسمية كافية.. ويجب أن تكون توقعات الناس منسجمة مع الواقع الاقتصادي.. يجب أن تكون الطموحات واقعية وبحجم التحديات”.
إصدار اللوائح والأنظمة الخطوة الأولى للتصحيح
“شهد بنك البحرين والكويت تفاوتا في الأداء ما قبل تولي مراد علي مراد مسؤولية الرئاسة التنفيذية بالعام 1987.. وما بعدها.. هل السبب لسوء الإدارة أم توجد أسباب أخرى؟”.. الرئيس التنفيذي لدار “البلاد” أحمد البحر سائلا.
وأجاب مراد: في العام 1987 كان أداء البنك سيئا، ربما السبب الرئيس سوء الإدارة، ولكن لم أطلع على سياسات أو لوائح تنظيمية. البنك كان يفتقد هذا الشيء، ولا توجد سياسات ائتمانية أو لشؤون الموظفين أو للتقاعد، وأمضيت عامين من تولي المسؤولية لبناء قاعدة الأنظمة واللوائح والسياسات التي ساعدت الإدارة.
وتابع: إذا وجدت اللوائح والسياسات التي يمكن الرجوع لها، فإنها تعتبر الخطوة الأولى للعمل الإداري الإيجابي. وكل السياسات التي وضعتها معتمدة من مجلس الإدارة. لقد وضعت سياسات لائتمان لقروض والاستثمار الإستراتيجي والاستثمار بالسندات والاستثمار بالعملات وغيرها. والآن السياسات بالبنك موجودة منذ 30 عاما ونجددها بشكل مستمر. وحاليا المصرف المركزي يفرض على البنوك وضع هذه السياسات ويتعين تجديدها كلما دعت الضرورة لذلك.
ورأى مراد بأن “سوء الإدارة كان نابعا بشكل مباشر لعدم وجود أي تنظيم أو سياسات أو لوائح. وعندما حدثت مشكلة أزمة سوق المناخ [أزمة اقتصادية وقعت بسوق الكويت للأوراق المالية بالعام 1982] أثرّت على فرع البنك بدولة الكويت والزبائن الكويتيين والبحرينيين في البحرين. وسوق البحرين تأثرت من هذه الأزمة. وفي العام 1985 عندما انتهى البنك من بياناته المالية رفض المدقق الخارجي التوقيع، فقررت الإدارة أشياء مستعجلة؛ لتعديل الوضع مثل التأمين على (حظرة) أو جزء من مقبرة أو مأتم.. وكل ذلك بسبب عدم وجود اللوائح”.
وأكد أن “أول مهمة أجريتها وضع هيكل إداري أقره مجلس الإدارة، وبنيت نظاما إداريا ثابتا، وهذه هي بداية التصحيح”.
وديعة حكومتي البحرين والكويت تنقذان “BBK” من الانهيار
75 % من حسابات البنك كانت غير منتظمة.. والحل بتوجيه لا ينسى من الأمير الراحل
عندما يتذكر مراد علي مراد قراره بالانتقال من البنك الأهلي التجاري السعودي لبنك البحرين والكويت بالعام 1987 يعود شريط ذكرياته لنهاية يوم متعب. شبك فيه يديه خلف رأسه. وسأل نفسه: ما الذي جنيته على نفسي؟!.
كان مراد على رأس فرع البنك الأهلي بالمنامة، ويومها يعتبر أول رئيس تنفيذي بحريني لمؤسسة مصرفية بالمنامة، ويقود أنجح فرع، ويتقاضى راتبا ممتازا، ولكن بنك البحرين والكويت كان يعاني من مشكلات إدارية وشائعات عن قرب انهياره لهاوية العجز.
وحرر مراد مركز الرئيس التنفيذي من المركزية، حيث كان يشترط لتعيين أصغر موظف بالبنك مثل “الفراشين” موافقة الرئيس التنفيذي، وقاد مبادرات للتخلص من الإهمال والتسيب.
وأشار مراد إلى أن الرئيس التنفيذي السابق للبنك كان أميركي الجنسية، وطلب بعض الأعضاء من مجلس الإدارة أن يعينه مستشارا له، ولكنه لم يوافق. وتصادف في تلك الفترة أنه تبقى شهران على انتهاء عقده، وطلب مراد منه إعداد تقرير عن محفظة القروض والسلفيات. وتبين أن 75 % من حسابات محفظة القروض غير منتظمة. تصفح أسماء أصحاب الحسابات فوجدها متنوعة ولمستويات اقتصادية مختلفة.
لحل هذه المشكلة لجأ مراد الى محافظ مؤسسة النقد الأسبق (المصرف المركزي حاليا) عبدالله سيف، وطلب منه شرح المشكلة لوزير المالية والاقتصاد الوطني الأسبق إبراهيم عبدالكريم ثم قصد المحافظ والوزير رئيس الوزراء الراحل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، وعرضا على سموه حيثيات الموضوع، ووجه سموه بأمر لا يُنسى أبدا بإيداع الحكومة 80 مليون دينار وديعة بالبنك، وبسعر فائدة نصف بالمئة، في وقت كانت أسعار الفائدة تصل إلى 10 %.
وأضاف: احتفظ البنك بوديعة من حكومة البحرين من 1987 إلى 1992.. وحصل على وديعة مماثلة من حكومة الكويت بمبلغ 80 مليون دينار بحريني وبفائدة منخفضة.
ولفت إلى أن الدعم السخي من حكومتي البحرين والكويت ساهمتا بشكل كبير في إعادة الروح للبنك، وتنظيف دفاتره من خلال التعاون بشطب ديون الزبائن؛ لإنهاء مشكلة الحسابات غير المنتظمة.
“عندي ثقة بالبحريني” وبحرنة سكرتيرات البنك في 6 أشهر
حل فجوة الموظفين من جيلين باشتراط المؤهل الأكاديمي للترقي
البحرنة هو الموضوع المستمر للنقاش في البحرين. وتسجل السيرة المهنية بأنك أول شخصية بحرينية تتولى مسؤولية مؤسسة مصرفية بالبحرين، كيف يمكن أن يروي العصامي مراد علي مراد قصته للجيل الجديد؟
أجاب مراد: لقد اعتمدت على الكادر البحريني في تولي المهام، وأثبت العنصر الوطني كفاءته. ومن بين ذلك قصة أنني عندما توليت المسؤولية ببنك البحرين والكويت بالعام 1987، لاحظت وجود جيوب في بعض المراكز، ويمكن للبحريني أن يشغلها، ومن بينها وظيفة السكرتيرات. لاحظت أن جميع السكرتيرات من جنسية أجنبية، وسألت عن سبب ذلك وبخاصة مع وجود عناصر بحرينية يمكن أن تتولى المسؤولية. وكانت الإجابة بأن السكرتيرة الأجنبية تتقاضى راتبا أقل من البحرينية.
وأضاف: لهذا السبب اعتمدت سياسة جديدة في التوظيف بتحديد راتب للوظيفة بغض النظر عن جنسية شاغلها. وفي مدة بسيطة تصل إلى 6 أشهر تمت بحرنة مراكز السكرتيرات بالبنك بالعناصر الوطنية.
وواصل: من التجارب الأخرى بالبنك.. ما لاحظته الإدارة التنفيذية بسنوات ماضية من وجود مجموعة من الموظفين من حَمَلة المؤهلات البسيطة مثل الثانوية العامة أو دونها، ولكنهم أصحاب خبرة مهنية طويلة. وواجه البنك تحديا مع وجود جيلين في البنك. الأول من الموظفين أصحاب الخبرة والمؤهلات البسيطة مع الجيل الآخر من خريجي الجامعات.
وتابع: لاحظت إدارة البنك وجود تفاوت بين الجيلين، وكان يتعين حل هذه الفجوة، وتم حلها باشتراط نيل الموظف على مؤهل جامعي للترقي لمركز متقدم. في البداية حدثت ضجة في أوساط الموظفين ثم تسابق الموظفون للدراسة ونيل أعلى الشهادات الجامعية وبعضهم أحرز درجة الدكتوراه.
ونبه إلى أن القطاع المصرفي ركز على البحرينيين وأعطاهم الفرصة، وبنك البحرين والكويت يفتخر بنسبة البحرنة المرتفعة، ولم تخطئ الإدارة في هذا القرار، وهو القرار الصائب.
وبيَّن أن البنك ومنذ العام 1987 وحتى اليوم، فإن مركز الرئيس التنفيذي يتعاقب على توليه البحرينيين، وتهيئة الكوادر الوطنية مستمر، ولدى مراد ثقة كبيرة بالعناصر البحرينية.
وختم رأيه في هذا المجال بالتأكيد “عندي ثقة بالبحريني”.
الخطوة التالية للاستحواذ على “إثمار” ببداية أبريل
سألت “البلاد” رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت مراد علي مراد عن مستجدات مباحثات بنك البحرين والكويت للاستحواذ على بنك الإثمار في البحرين.
وأجاب مراد بأن البنكين وقعا على مذكرة تفاهم لاحتمال الاستحواذ على عمليات بنك الإثمار وبعض الأصول الخاصة بشركة “آي بي كابيتال” الشركة المملوكة بالكامل للإثمار القابضة. وبيَّن أن بنك البحرين والكويت وضع إستراتيجية ليكون لديه بنك يقدم خدمات مصرفية إسلامية.
وذكر أن “البنك كلف قبل أسبوعين تقريبا شركة استشارية؛ لإجراء الدراسة المناسبة والوقوف على الأمور التي يود البنك الاستحواذ عليها وذلك للوصول للكلف والمباحثات وسنصل لاتفاق ان شاء الله”.
ولفت إلى أن “هذه الشركة سيساندها مدقق حسابات وشركة قانونية وغيرها، وجاري الترتيب لذلك، وشكل مجلس الإدارة لجنة مختصة لمتابعة هذا الموضوع، وسيستغرق وقتا لإنجاز هذا المشروع لتفحص دفاتر وأرقام الأصول التي يود البنك للوصول لسعر عادل للبائع والمشتري”. وتابع: “قد يستغرق الموضوع لبداية شهر أبريل 2021 لأخذ الخطوة التالية. وبعدها سيجري التوصل لقرار نهائي”.
مراد التحق بمركز “بابكو” للتدريب المهني في سن 14
أنهى التدريب بامتياز في 1962.. والراتب 87 روبية يدفع كل أسبوعين
شركة بابكو هي مدرسة الانضباط، وخريجو هذه المدرسة يتميزون بسمات الانضباط في التصرف والوقت والتعامل. سألت “البلاد” مراد علي مراد عن حقبة تنشئته المهنية الأولى في كنف “بابكو”: كيف استمرت هذه السمات لزيمة لشخصيتك من فترة الانضمام لمدرسة التدريب المهني بالشركة العريقة وحتى اليوم؟
وأجاب: مركز التدريب المهني في شركة بابكو من أنجح التجارب المهنية، واستمر منذ العام 1955 ولغاية 1970. عدد كبير من البحرينيين تخرجوا منه، بعضهم استمر في بابكو والبعض الآخر غادر، ومن يلتحق بمدرسة التدريب كان بسن مبكرة في حياته أي عند عمر 14 سنة تقريبا. وعندما تلتحق صغيرا تتأثر كثيرا بالنظام الصارم في الحياة. مليء بالانضباط والالتزام. في سن مبكرة تلتقط سمات الانضباط وتصبح جزءا من تكوين الشخصية ولا تستطيع أن تغيرها أو تفرقها.
وأردف: لم يكن لديَّ خيار إلا الانضمام للبرنامج التعليمي والتدريبي في “بابكو”؛ لأن الحياة الاقتصادية لأسرتي صعبة في تلك الفترة، ولم يستطع الوالد تسديد مصروفات استكمال دراستي، فكان الخيار أن أعمل لأشارك مع والدي وأخي في زيادة دخل الأسرة، والتحقت بالشركة بعد تخرجي من المرحلة الابتدائية.
وأضاف: أغلب المعلمين بمركز التدريب المهني من الجنسية البريطانية، والنسبة الأقل من البحرين والهند. وأعتقد أن أي بحريني خريج من مدرسة التدريب المهني، فستجد عنده سمة الانضباط في كل شيء. وبيَّن أنه كان يتقاضى راتبا قدره 87 روبية تدفع كل أسبوعين، أي 6 روبيات و4 آنات لليوم الواحد. وتابع: في فترة دراستنا ببريطانيا.. تحمل روح الانضباط التي تعلمناها في البحرين، وتتعلم مهارات جديدة، وعلى رأسها الاعتماد على النفس في إعداد الأكل واللبس وكل شيء. مثل هذا الأمر يزيد من الثقة في النفس.
وأشار إلى أنه يتم توزيع الدفعات بالمركز في 3 مجالات، وهي: المجال التجاري للعمل المكتبي، والمجال المهني للتدريب على العمل الفني، ومجال التنقيب عن النفط، وقد وقع الاختيار عليه في المجال الأول. وواصل: البحريني أثبت كفاءته في دراسته بجامعات لندن المرموقة، وبين مختلف الجنسيات التي تدرس.. عندما ابتعثت (بابكو) مجموعة كبيرة من البحرينيين توقعت برسوب نسبة من المبتعثين، ولكن المفاجأة السارة أن الجميع نجح وبتفوق.
وكانت مدرسة التدريب تقدم برنامجا تعليميا وتدريبيا خرج الكثير من أبناء البحرين وبعضهم أمثال مراد بمؤهلات أكاديمية عليا.
واهتمت “بابكو” البعثات الخارجية لبريطانيا وبيروت على شكل دورات تدريبية تبدأ بثلاثة أشهر وتطول لمدة تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات. وأنهى مراد سنوات البرنامج التدريبي بنجاح وبمستوى ممتاز في العام 1962، وأقيم حفل للتخرج بحضور مدير التعليم آنذاك أحمد العمران (أول وزير للتربية والتعليم في عهد الاستقلال).
شنط بـ 3 ملايين دولار في سيارة مراد
رحلة رمضانية لا تنسى مع الجلاهمة بالبر.. ولا ماء بإفطار الخفجي
دأب مراد علي مراد على الاستماع لنشرة الأخبار بإذاعة الكويت كل صباح، ولكنه لاحظ عدم اذاعة النشرة مع استمرار اذاعة الموسيقى العسكرية. انه يوم 2 أغسطس 1990، حيث اجتاحت القوات العسكرية العراقية دولة الكويت ووصلت للعاصمة. تعثرت كل اتصالات مراد مع فرع البنك بالكويت. كان واضحا بأن الغزو قد شل الحياة. وقال مراد: مع الأيام تبين بأنه قد جرى تعيين مشرفين على البنوك، ومن بينهم فرع البنك. كان بنك البحرين والكويت في فترة الغزو البنك الوحيد الذي له فرع في الكويت. ونسقت إدارة البنك بالمنامة مع السفارة الكويتية بالمنامة؛ لتحديد سعر صرف الدينار الكويتي مقابل الدينار البحريني بحيث يقبل الدينار الكويتي بدينار بحريني. والقصة الأهم في سيرة مراد كانت بعد التحرير، بعد الحملة العسكرية بقيادة أميركا في فبراير 1991.
وبعد الاستقرار النسبي للأوضاع في الكويت، اتفق مراد مع عضو مجلس إدارة بنك البحرين والكويت بتلك الفترة حسن الجلاهمة (رئيس مجلس إدارة المصرف المركزي حاليا) للسفر بسيارة الأول برا إلى الكويت لعدم وجود رحلات طيران منتظمة. حمل مراد شنط مبالغ “كاش”.. ووضعها في صندوق سيارته.. هذه الشنطة كانت تحوي 3 ملايين دولار.. وانطلقا بالسيارة في أبريل 1991 وسط أجواء قاتمة في نهار رمضاني لا ينسى من ذاكرة مراد والجلاهمة.
يتذكر مراد بأن الأوضاع الجمركية في فترة ما بعد التحرير ليست مثل الموجودة سابقا أو حاليا، وإنما الجيش هو من يتولى زمام المسؤولية بالحدود، وسألنا المسؤولون السعوديون بالحدود عن هوياتنا وقصة الشنط، وشرحنا لهم هوياتنا ومبرر رحلتنا للكويت، وقرر المسؤولون وضع الشمع الأحمر على الشنط. وأضاف: وصلنا منطقة الخفجي مع حلول صلاة المغرب.. أوقفنا السيارة لتناول الإفطار بمطعم في تلك المنطقة.. ليس لدى المطعم سوى دجاج مشوي ووجبات بسيطة أخرى ليست رمضانية.. وبعد الافطار طلبنا كوبا من الشاي.. واعتذر عامل المطعم عن عدم وجود شاي.. والسبب عدم توفر ماء أصلا!
وواصل: دخلنا الكويت.. وفي المشوار من الحدود إلى وسط العاصمة ترى مشهدا غريبا على مد البصر.. مثل شموع مشتعلة تعلوها خيوط الدخان.. هذه هي آبار النفط المشتعلة.. ووصلنا العاصمة في الساعة 9 مساء.. ووقعنا في حيرة كيف التصرف مع مبلغ كبير في حوزتنا.. وتواصلت مع عضو مجلس إدارة البنك من الجانب الكويتي فيصل الرضوان، وهو عضو بمجلس إدارة بنك الكويت الوطني، ونسّق لإيداع المبالغ في خزانة بنك الكويت الوطني، ثم تنقل في صباح اليوم التالي لبنك البحرين والكويت. وختم: كانت تجربة فريدة من نوعها في حياتي، ولن تمحى من ذاكرتي.
ولد في “سنة البطاقة”
على يد القابلة التركية زليخة
ولد مراد علي مراد في العام 1945 في “فريج” بالمنامة مازال يحمل ذات الاسم.. فريج “بو صرة”، وسبب التسمية يعود إلى نوخذة كان يمشي حاملا صرة تحتوي ما أفاض به عليه من البحر من لؤلؤ.
ترتيب مراد الأخير بين إخوانه وأخواته.. كانت والدته ربة منزل حنونة. أما والده، فيعمل على ظهر رحلات الغوص. أب كادح تتقلب أيامه لتوفير لقمة العيش بين قسوة البحر ولهيب الشمس. وأشار مراد إلى أن يحتفظ بقصاصات من دفاتر الوالد القديمة ومديونياته وقرضه بعد عودته من رحلة الغوص.
ولد مراد في بيت كان يطلق عليه مسمى “بيت درويش”. استأجره والد مراد في العام 1940.. مالك البيت اسمه درويش وهو تاجر.. ويقع البيت مقابل بيت المرحوم عباس كازروني. وأشرفت على ولادة مراد قابلة تدعى زليخة، وهي من أصل تركي.
وتزامنت ولادته مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديدا في شهر صفر. كانت دول المنطقة تعيش في حالة من القحط؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب، حيث تم تقنين المواد الاستهلاكية بموجب بطاقات تستصدر لصرف المواد المطلوبة، لذلك أطلق الأهالي على تلك السنة بـ “سنة البطاقة”.
العراقيون استولوا على “تجوري” البنك بالكويت ثم بعثوا فاتورة نقله لبغداد
الجيش العراقي سطا على البنوك الكويتية في فترة الغزو، واستولى على خزائنها، وعندما اقتحموا بنك البحرين والكويت لم يستطيعوا أن يفتحوا التجوري (القاصة)، وقرروا حمل قاصتين (خزنتا المال) إلى بغداد. كانت المفاجأة عند العراقيين أنهم عندما فتحوا التجوري تبين أنه خالٍ من الأموال. ومن طرائف زيارة مراد علي مراد وحسن الجلاهمة إلى الكويت في أبريل 1991..
وبعد تسليم شنطة الملايين الثلاثة لفرع بنك البحرين والكويت، أنهما عثرا على رسالة بمكتب مدير الفرع موجهة من مسؤولين عراقيين بفترة الغزو تطالب إدارة البنك بتكاليف نقل التجوري، وقالوا إنهم استأجروا رافعة وشاحنة لنقل الخزينتين إلى بغداد، وكلفة النقل تبلغ 966 دينارا عراقيا!. وبالفعل، فقد أودع المشرف على البنك بفترة الغزو المبلغ المطلوب في رسالة نشرها مراد في كتابه ومؤرخة في 5 يناير 1991.
بروفايل
مراد الذي نلتقيه اليوم شخصية مخضرمة بالقطاع المصرفي، فقد أمضى 50 عاما بالقطاع، ويعتبر من أول 5 بحرينيين تخرجوا من تخصص المحاسبة في لندن.
بدأ مسيرته المهنية مع “سيتي بنك” من العام 1972 لغاية 1976، وانتقل مديرا للخزانة ببنك البحرين الوطني من يناير 1977 لغاية يناير 1979، ثم نائب لمدير البنك الأهلي التجاري السعودي بالمنامة وتدرج بالمراكز طوال فترة عمله بالبنك منذ أبريل 1979 إلى ديسمبر 1986 حتى تولى موقع المدير العام.
أما المحطة الأبرز في حياته المهنية، فهي توليه مسؤولية قيادة الادارة التنفيذية ببنك البحرين والكويت منذ يناير 1987 حتى 2002 ثم اختير رئيسا لمجلس إدارة البنك منذ ذلك العام حتى اليوم.