+A
A-

الوطني: الأدب دون قضية وفكر هو مجرد أدب مفرغ بلا هوية ولا معنى

ميل فطري إلى الإبداع، وموهبة أصيلة وإطلاع دائب، قصصها وكتاباتها تعبر عن الحالة الجديرة بالإنسان في عصرنا ولصيقه لحياته، والكلمة عندها تبقى محتفظة بمرونتها وطابعها المستقل الأصيل. شيماء عيسى الوطني، الكاتبة التي فهمت سر الحياة وأصبحت صوتا إنسانيا عريضا.

"البلاد" استضافت الكاتبة شيماء الوطني في هذا اللقاء

ما طبيعة الشروط الفنية والموضوعية التي تحكم عملك الروائي أو القصصي؟

 أحرص عند الكتابة أن أتناول ما أكتبه بطريقة متعمقة بعيدا عن السطحية، كما وأحرص على التحضير والبحث في مصادر متعددة لدراسة جوانب الموضوع الذي أتناوله، أعشق السرد وتستغرقني الكتابة عن الحدث ببساطة وانسيابية، وأحاول الابتعاد عن اللغة المتكلفة والمغالية في التعقيد والوصف.

موقف الروائي من شخصياته هو في الواقع موقفه من الناس، بعضهم يحبه، وبعضهم لا يعبأ به، وبعضهم يفضل ألا يراه، ما رأيك؟

أبدأ ببناء علاقات إنسانية مع الشخصيات التي أكتبها منذ بداية تشكلها في مخيلتي أياً كان موقفي منها، تظل ترافقني، تتشكل ملامحها في مخيلتي، أحاورها وتحاورني، قد تعارض ما أراه مناسبًا لها، قد أعاندها وقد أقتنع بتغيير ما رسمته لها في الحكاية، لا أعرض عن أي منها حتى الشخصية التي لا تعجبني أو أجد فيها ما أكرهه، قد أجد العذر لها وأستطيع احتواءها وتقبلها أيضا.

الأدب والفكر لابد وأن يتميز بالحركة والحيوية، مسايرا لحركة الشعوب وتطلعاتها، أي أن مرحلة الأدب للأدب انتهت، وبدأت مرحلة الأدب للفكر والحياة، ما تعليقك؟

الأدب دون فكر أو دون قضية يعني تفريغه من معناه العميق ورسالته في الحياة، في وقت من الأوقات كنت أرى أن بعض الأدباء يضعون على كاهل الأدب قضايا وأفكار قد تثقله، ولكن الآن بعد مشوار طويل من القراءات في مختلف الآداب العالمية، توصلت إلى قناعة أن الأدب دون قضية وفكر هو مجرد أدب مفرغ بلا هوية ولا معنى.

هل تعتقدين أن الرواية البحرينية قدمت شكلا جديدا على الصعيد الخليجي والعربي. أم إنها مازالت في ذيل التجديدات بصراحة؟

هناك تجارب قليلة لروائيين بحرينيين تستحق الوقوف عندها ودراستها؛ لأنها مكتوبة بفكر وأسلوب لا يقل عن الروايات المنشورة حتى على الصعيد العالمي لا العربي أو الخليجي وحسب، وفي الوقت ذاته هناك تجارب روائية بحرينية من المؤسف أنها غير ناضجة ويستطيع حتى القارئ العادي أن يستنتج أنها كُتبت على عجل أو فقط من أجل هدف النشر والشهرة وحسب.

هنالك رأي مهم للمفكر الأمريكي هربرت ماركوس في الفن والسياسية هو "أن الفن في أعمق مستوياته احتجاج على ما هو كائن، ومن هنا بالذات يصبح الفن قضية سياسية". ما قولك في هذه القضية؟

في وقتنا الحاضر ما من أحد يستطيع البقاء بمنأى عن السياسة، حتى وإن رغب في الابتعاد عنها، قسرا سيجد نفسه متصلا بها بطريقة وأخرى.

السياسة أصبحت المحرك الرئيس الذي يتحكم  في ظروف الحياة سواء الاقتصادية، الاجتماعية أو الثقافية، ولذلك فإن الفن الذي يطرح قضايا معينة هو الفن الذي يؤثر في وجدان المتلقي ويبقى خالدا فيه.

بم تفسرين استغراق الكتاب الشبان في كتابة القصة القصيرة دون الرواية وسائر الأعمال الأدبية الأخرى؟

أعتقد أن ذلك يعود لاعتقاد البعض أن القصة القصيرة أسهل في كتابتها مقارنة بالرواية، واضعين في اعتبارهم قصر القصة مقارنة بطول الرواية، لكن الواقع أن كتابة القصة القصيرة في كثير من الأحيان أصعب من كتابة الرواية؛ لأنها تحتاج إلى أن يمتلك الكاتب مهارة وقدرة هائلة على التكثيف والاختزال، بخلاف الرواية التي تمنح للكاتب مساحة كبيرة للإسهاب والاستطراد في تناول فكرة معينة.

كما أن رتم الحياة السريع يجعل البعض يفضل قراءة قصة قصيرة في ثلاث أو أربع صفحات على قراءة رواية قد تتجاوز مئتي صفحة.

هل تعتقد شيماء أن هناك أزمة نقد بالنسبة للجيل الجديد، أم أزمة عمل جيد يفرض نفسه ويلفت الانتباه؟

الصورة المثالية لعلاقة الأدب بالنقد أن تكون تكاملية، فلا أدب دون نقد ولا نقد دون أدب، ولكن مع الأسف في وقتنا الراهن هناك هوة شاسعة بين طرفي هذه العلاقة، وفي رأيي أن هذه الهوة تشكلت لأسباب ليست حقيقية، وفيها الكثير من التحامل وتبادل الاتهامات بين الأدباء من جهة والنقاد من جهة أخرى.

الأدباء يجدون أن بعض النقاد يحابون في نقدهم أو أنهم لا يلتفتون لما يقدمونه، ومتى ما تطرق أحد النقاد لأعمالهم، فإنه يتناوله بالذم والقدح.

وفي الوقت نفسه نجد أن الناقد يبتعد عن كتابة نقده الصريح في أي عمل أو تناوله بشكل موجز ومتحفظ لخشيته من عدم تقبل الكاتب لما سيقوله أو اتهامه بالتحامل، وهكذا تتسع الهوة بين الاثنين ويكون العمل الأدبي هو الضحية بين نزاعات النقاد والكتاب

الأمل.. هل يبرق ومضة في عينيك ونحن وسط كآبة كورونا؟

طبعا، لا تستمر الحياة دون أمل؛ لأن الشواهد تخبرنا أنه دوام الحال من المحال، أنا متفائلة ومؤمنة برحمة الله، فما بين غمضة عين والتفاتتها يغير الله من حال إلى حال.

ربما علينا اعتبار ما جرى لنا بفعل الكورونا - رغم قسوته - أنه وقفة لمحاسبة الذات وتصحيح مسار حياة أي شخص منا، وأيضا سبب لأن يشق الإنسان لنفسه طريقا جديدا لم يكن ليسيره لولا هذه الجائحة.

القصة القصيرة بالنسبة لي – كقاص- تخطت الشخصيات وتخطت نظرية أرسطو، وتخطت الخواتيم المفجعة المشحونة بكم هائل من الانفعالات. قد تكون القصة بلا شخصيات بأن تكون حالة شعورية معينة أو تكون مشهدا بسيطا يوحي بفكر معين..هل توافقيني الرأي؟

طبعا، القصة القصيرة اختلفت اليوم في مضامينها وأساليب كتابتها ولغتها عما كانت عليه في بداياتها، ما عادت القصة مجرد حكاية لها بداية وعقدة ونهاية، وما عادت اللغة الخطابية المباشرة تجتذب القارئ، الآن تنوعت أفكار القصص وحتى أنواعها وأحجامها.