العدد 4478
الأحد 17 يناير 2021
banner
التعليم العالي (٤ من ٤)
الأحد 17 يناير 2021

كنا قد تطرقنا في ثلاث حلقات سابقة إلى مستقبل التعليم العالي في مملكة البحرين “يكون أو يكون”، وليس يكون أو لا يكون، ذلك انه الخيار الذي لا خيار غيره، وذلك لأن خيار التعليم العالي، التعليم الراقي، التعليم والتعلم، المعرفة والإبداع، هي صنوان الأمم المتحضرة، وصمام الأمان للمجتمعات المستنيرة، وحجر الزاوية لنهضة الكون من عثراته وجوائحه. وكنا .. قد تطرقنا إلى العديد من العوامل والمحاور والمرئيات، أهمها استقلالية الجامعات، وفي مقدمتها تلك الأدوات التي تقود إلى التسويق الأمثل لجامعاتنا على مستوى الإقليم، دور الحكومات، وإرادة الجامعات، ومستويات جودة برامجها ومناهجها علميًا ومؤسسيًا.

وفي هذا العدد نختتم هذه الرحلة بما يمكن أن نطلق عليه بالاستثمار في التعليم، المناخ والبيئة، التشريعات والفرص. واللوائح المرعية، المكان والمكانة التي بلغتها جامعاتنا وقدرتها على جذب الاستثمارات الخاصة والأهلية.

كل ذلك كان وسيظل على منصة التعاطي، بل وعلى طاولة المباحثات الذهنية التي تتيحها فرصة من هنا وأخرى من هناك؛ حتى يصل التعاون بين جناحي “الطير” إلى أشده ليحلق نحو عنان السماء ويصبح التعليم العالي في بلادنا بمثابة مركز الإشعاع الحقيقي الذي يقود إلى تنوير المجتمع والنهوض بمنتجه الإنساني، وتصويب مساراته وتعميق آلياته وتطوير أدواته.

عندما خرج الكتاب الأول للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى النور مؤخرا، فإن أهم ما لفت انتباهي فيه هو أن عظمة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في جامعاتها، ذلك أن ما قدمته هذه الجامعات لبلادها من بحوث علمية تحاكي قضايا المجتمع، وتعالج قضاياه اليومية المستعصية جعلها تضع قدمها الطولى في أرض شديدة الوعورة والخصوبة في ذات الوقت لإنبات للفكر الحضاري النهضوي، هذا الإحساس بالفخر الذي أبداه رئيس القوة الأعظم في العالم بجامعات بلاده الخاصة قبل العامة يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة إيلاء جامعاتنا التشجيع الواجب لتكون في طليعة الجامعات التي قادت قطار الحضارة في أمريكا ووصلت به إلى عنان النجومية والتفوق مما وضع بلاده في مكان بعيد تماما عما عاداه من أمم وبلدان، ولعلي أذكر هنا ما قامت به جامعات خاصة مثل هارفارد وستاتفورد وديوك وبرينستون وام اي تي وغيرها من أدوار علمية في سبيل إيجاد للعلاجات الناجعة للمشكلات الإنسانية والقضايا البشرية والكونية التي نجمت عن التغيرات البيئية، وتفاقم الجوائح والأوبئة، والوقوف بدرجات متفاوتة على كيفية مواجهة هذه التحديات من خلال البحث العلمي والميداني والمعملي والمعرفي، وهو ما نتج بجلاء عن استثمار المجتمع لكافة طاقاته المتوفرة، ومنح هذه الطاقات هامشًا كبيرًا من الاستقلالية والحرية في البحث والفرز والإتاحة، مما أدى إلى أن كل ما يأتي إلى الحياة المعاصرة من معلومات وثورات علمية يكون في معظمه من الولايات المتحدة الأمريكية.

وها نحن في مملكة البحرين نشهد اليوم انطلاقة جديدة بقيادة شابة في ظل المشروع الإصلاحي الكبير حضرة صاحب الجلالة الملك حفظه الله ورعاه، حيث نستطيع من خلال هذا الواقع الرائع أن نلعب دورًا محوريًا في محيطنا الإقليمي وذلك في ظل وجود عدد كبير من جامعاتنا الخاصة والحكومية المؤهلة للقيام بهذا الدور بكل دقة وإحكام.

يبقي فقط أن يكون مناخ الاستثمار مهيأ بما فيه الكفاية بحيث يسمح لتدفقات رؤوس الأموال المحلية والأجنبية بأن تضاعف تواجدها في منظومة جامعاتنا؛ من أجل توسيع الطاقة الاستيعابية لهذه الجامعات خاصة تلك التي حصلت على الاعتمادية وتتمتع بمعدلات جودة معترف بها ومعتبرة وتحاكي مثيلاتها في الجامعات العالمية. وأظن أن عددا من جامعاتنا الخاصة يمكن أن يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، خاصة وأن سمو ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله ورعاه في معرض أحاديثه عن روية ٢٠٣٠، وعن خطة التنمية الوطنية المستدامة يوكد علي ضرورة التحقق لهذه الروية في التعليم والصحة والخدمات التكنولوجية والبنيوية واللوجستية الأخوي، وهو ما لا يمكن أن يكون على البحرين بكثير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية