+A
A-

البحرين 2020.. انجازات من واقع التحديات تسجلها المسيرة التنموية للمملكة

حققت مملكة  البحرين خلال عام 2020 كثير من المنجزات والمكتسبات، سواء على صعيد الانفتاح على العالم الخارجي وتدعيم شبكة علاقاتها مع الحلفاء والأصدقاء أو على صعيد التحديث السياسي ومواصلة استكمال مقومات العمل الديمقراطي، في ظل المسيرة التنموية الشاملة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى أيده الله، والتي تأتي كنهج  يهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة البشرية منها والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن السياسية، رغم شدة وكثرة التحديات التي واجهت البلاد، خصوصاً عقب انتشار جائحة كورونا في الربع الأول من هذا العام ولا زالت.
 
ووضعت هذه المنجزات مملكة البحرين في مصاف الدول التي تمكنت بحنكة من إدارة ملفاتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، محققة بذلك أهدافها الاستراتيجية القصيرة والطويلة المدى، وبما كفل لها ليس فقط السيطرة على التداعيات الخطيرة التي تسببت فيها الجائحة العالمية؛ إنما أيضا الاستفادة من التحديات التي شكلتها هذه الأوضاع والظروف غير المعهودة، وخلْق فرص جديدة مكنت الأجهزة المعنية كافة من التعاطي معها وإيجاد حلول مبتكرة لها، سيما بشأن الوفاء بالاستحقاقات الاجتماعية وضبط مسارات التوازن المالي ودعم  سوق العمل وغيرها.
 
مسيرة ديمقراطية لا تتوقف
واصلت مملكة البحرين مسيرتها الديمقراطية؛ ونجح مجلسا الشورى والنواب في أداء دورهما المناط بهما لجهة تدعيم البنية القانونية والمنظومة التشريعية للدولة بما تحتاجه من نظم وأدوات، وشهد عام 2020 دوريّ انعقاد من الفصل التشريعي الخامس، هما الثاني الذي انتهى في مايو والـثالث الذي بدأ في أكتوبر وينتهي كما هو متوقع منتصف عام 2021، في دلالة على جهود وإنجازات النواب والشوريين، وحرصهم على البناء المؤسسي لأجهزتهم، ومستوى الأداء الديمقراطي للبلاد، والالتزام بمبادئ المسيرة التنموية الشاملة، وضمان التعاون بين السلطات من أجل التنمية والتقدم ودعم قضايا الوطن والمواطنين.
 
وبدا هذا الدور جلياً بالإشارة إلى مجموع جلسات المجلسين واستمرارهما في أداء مهامهما رغم ظروف الجائحة التي ألقت بظلالها على الشأن العام منذ شهر مارس الماضي وحتى نهاية العام، وأسفرت عن عقد الجلسات افتراضيا، فضلاً عن مستوى النقاش الذي اتسمت به مداولات النواب والشوريون، وحجم ونوعية الموضوعات التي طُرحت للتداول، وتناولت العديد من القضايا والملفات وأثارت اهتمام الرأي العام، لا سيما تلك التي تعاطت مع الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، ومست المستوى المعيشي للمواطنين وحركة النشاط التجاري بالبلاد.
 
وكان حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى، حفظه الله ورعاه، قد شدد في أكثر من مناسبة، خاصة خلال كلمة جلالته في افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب في أكتوبر، على أهمية كل الجهود التي بُذلت لمواجهة تحديات الفترة الماضية وتسببت فيها تداعيات كوفيد 19، وتفرض استلهام الدروس والعبر منها باعتبارها نموذجاً ناجحاً للعمل الوطني يتطلب التحديث والتطوير والبناء عليه لتلبية الطموحات والوفاء باستحقاقات مسيرة البناء والتقدم.
 
وتأكد هذا المعنى أيضا مع ما شهدته الساحة السياسية من تطورات خلال الأشهر الأخيرة من السنة، وكان أبرزها استقبال حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى لرئيسي مجلسي الشورى والنواب في نهاية نوفمبر، حيث تسلم جلالته تقريري إنجاز المجلسين في دور الانعقاد الثاني، مشيداً بدور السلطة التشريعية في ترسيخ دعائم المسيرة الديمقراطية وتطوير منظومة القوانين والتشريعات التي تخدم المواطنين وتلبي كافة احتياجاتهم.
 
صاحب السمو الملكي الأمير خليفة رمز وطني خالد
فقدت مملكة البحرين صباح يوم الحادي عشر من نوفمبر واحداً من أبرز رجالاتها الذين قدموا في سبيلها أغلى ما يملكون، وهو صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، رحمه الله، الذي استطاع طوال أكثر من 5 عقود عمل فيها في كافة المواقع النهوض بالبلاد، والارتقاء بخطط تنميتها الحضارية الشاملة، العمرانية منها والبشرية، ودعم بنيتها الأساسية وتنفيذ مشروعاتها الكبرى وتعزيز مكانتها وتلبية احتياجات مواطنيها والمقيمين فوق أرضها الطيبة.
 
وإثر نعي الفقيد؛ توالت ردود الفعل الرسمية والشعبية في داخل البحرين وخارجها، التي عددت مناقب الفقيد وجهوده وإسهاماته المتعددة في خدمة البحرين وأياديه البيضاء التي عمت بظلالها الجميع، وكان من أبرز ردود الفعل تلك التي أكد فيها حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى عقب الاستقبال الرسمي لجثمانه فقيد الوطن وأداء صلاة الجنازة عليه أن سمو الأمير الراحل سيبقى "رمزا وطنيا خالدا في الذاكرة الوطنية"، لأنه رحمه الله "سخر حياته من أجل رفعة الوطن وتقدمه".
 
وهو ما أكده أيضاً صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس الوزراء، وذلك خلال أكثر من مناسبة، خصوصاً عقب صدور الأمر الملكي رقم 44 لسنة 2020 بتعيين سموه رئيساً لمجلس الوزراء، وحضور سموه مراسم دفن جثمان الفقيد، حيث استذكر سموه مآثره رحمه الله وجهوده ومسيرته الزاخرة بالإنجازات، واصفاً سمو الأمير خليفة بأنه كان "قائداً محنكاً نهل الجميع من خبراته ومداركه في مجالات الحياة والعمل كافة، محليا وإقليميا ودوليا".
 
وكان الدور الذي قام به سمو الأمير الراحل في رسم ملامح النهضة التنموية التي شهدتها المملكة طوال تاريخها الحديث، قد احتل حيزا كبيرا من الاهتمام طوال الفترة التي أعلنت فيها المملكة الحداد الرسمي، ووُصف الإرث الكبير الذي تركه الراحل بأنه "أمانة ورسالة عظيمة" سيتولاها "خير خلف لخير سلف"، وأكد على ذلك الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى رئيس الوزراء.
 
وتجدد هذا التأكيد خلال ترؤس صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الاجتماع الاعتيادي الأسبوعي لمجلس الوزراء الذي عقد يوم 23 من نوفمبر2020، وتعهد فيه سموه لحضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى بـمواصلة العمل لتحقيق الإنجازات الوطنية، وبأن يكون المواطن البحريني دوما "هدفاً وغاية للتنمية"، مستذكرا سموه إسهامات وجهود فقيد الوطن العزيز، وسيرته رحمه الله التي ستظل "شامخة ومصدر قوة وعزة وفخر".
 
منجزات حقوقية متواصلة
ولم تقتصر منجزات المملكة على الصعيد الديمقراطي، وإنما شملت الصعيد الحقوقي أيضا، حيث تم إعادة تشكيل اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان في شهر نوفمبر، وعضويتها بمجلس حقوق الإنسان للمرة الثالثة  للفترة من 2019 – 2021، واحتفاظها بموقعها ضمن الفئة الأولى بتقرير الخارجية الأمريكية المعني بتصنيف الدول في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص للعام الثالث على التوالي، وتعيينها أمينا لمنتدى الشرق الأوسط لمكافحة الاتجار في أكتوبر، وفوز الإدارة العامة للإصلاح بالداخلية بجائزة أول مؤسسة إصلاحية في الشرق الأوسط في التقيد ببروتوكولات الحماية من كورونا من شركة فرنسية للجودة في ديسمبر.
 
هذا إضافة إلى تخصيص محكمة لجرائم الاتجار في البشر في نوفمبر، وإنشاء مكتب لحماية الشهود في الشهر ذاته، وإعادة بحث ودراسة مشروع قانون العدالة الإصلاحية للأطفال، وذلك لمزيد من التنقيح والنقاش، وتصحيح أوضاع 53 ألف عامل وافد، وقرار وزارة الصحة بشأن الاشتراطات الصحية الواجب توفرها لسكن العمال، الذي أشادت به اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ديسمبر، والعمل على تعديل قانون الجمعيات والأندية، وقرار إتاحة الوساطة الجنائية في الجرائم التي يجوز فيها الصلح في ديسمبر وغيرها.
 
5 جوائز تميز في العمل الحكومي وانجازات على الأرض
كان من بين أبرز الآثار الإيجابية الناتجة عن هذه التطورات، وشهدتها الساحة أخيرا؛ حصول  مملكة البحرين على 5 جوائز في التميز الحكومي من الجامعة العربية، وبلوغ إجمالي كلفة المشاريع الحكومية في الميزانية الجديدة التي تسلمها النواب في ديسمبر نحو 1.3 مليار دينار للسنتين الماليتين 2021 – 2022، منها 7 مشاريع إسكانية و5 صحية وتعليمية، وعدم تأثر مخصصات الخدمات الموجهة للمواطنين، والبدء في تسليم 5 آلاف وحدة سكنية ووضع جدول زمني لتوزيعها، وتلقي نحو 600 مواطن خدمات التمويلات السكنية بقيمة وصلت إلى 19 مليون دينار، ضمن خطة الدولة لتنويع الخيارات السكنية أمام المواطنين بحسب وزير الإسكان في ديسمبر.
 
وحظي النجاح في استضافة وتنظيم سباقين للفورمولا ون خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين في نوفمبر وديسمبر بتقدير واسع سواء على مستوى حسن الضيافة أو التنظيم رغم عدم حضور الجماهير عدا كوادر الصفوف الأولى في مواجهة الجائحة، وهو ما يضاف إلى مواصلة تنظيم مؤتمر حوار المنامة للنسخة 16 منه، الذي استقبل هو الآخر عددا من كبار المسؤولين الدوليين رغم الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، إلى جانب إعلان المملكة كعضو مؤسس لإطلاق منظمة التعاون الرقمي، وعدم توقف مسيرة البناء خاصة مع إعلان أن نسبة إنجاز مشروع مركز البحرين الدولي للمعارض الجديد وصل إلى 11%، وانتهاء مشروع توسعة وتطوير مطار البحرين الدولي الذي يُنتظر موعداً لإعلان افتتاحه وتدشينه خلال 2021.
 
مكافحة الجائحة تجربة وطنية رائدة
لم يمهل فيروس كوفيد - 19 العالم سوى أشهر قليلة من عام 2020 حتى انطلقت دوله فرادى وجماعات تأخذ الإجراءات تلو الأخرى، الصحية منها وغيرها، للحد من انتشار المرض. وكانت البحرين إحدى الدول الرائدة التي اتبعت منهجا علميا رصينا في المكافحة، ووُصفت تجربتها من جانب الدول والمنظمات المختصة كالصحة العالمية، بأنها سباقة وناجحة، ذلك لأن المملكة كانت من أوائل الدول التي أدركت مبكراً خطر الفيروس، ووضعت الاشتراطات الوقائية والاحترازية لمواجهته والتصدي له كتقنين السفر والطيران والتحذير من الاختلاط والتجمعات وتأجيل المدارس وتطهيرها وغيرها.
 
واعتُبر الفريق الوطني برئاسة  صاحب السمو  الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وقيادته جهود تنسيق عمليات المكافحة من بين أهم الخطوات التي ميزت نجاح تجربة البحرين في التصدي للفيروس، سيما أن هذا الفريق أوكل إليه عبر سلسلة من المؤتمرات الصحفية الأسبوعية التي امتدت من فبراير ومازالت حتى اليوم، فضلا عن قراراته المختلفة، نقل مستجدات المرض للمواطنين والمقيمين على السواء، والسبل الصحيحة للتعامل معه، كما كُلف بتولي إدارة مراكز ومشافي الحجر والعزل وتقديم العلاجات وتوفير اللقاحات، وبتكثيف عمليات الفحص التي شملت الجميع، وبلغت أكثر من 2 مليون فحص وبالمجان حتى منتصف ديسمبر، وهي جهود تكللت جميعها بالنجاح بالنظر إلى انخفاض منحنى الانتشار، وزيادة عدد المتعافين، وقلة عدد الوفيات من جرائه.
 
واتسمت جهود المكافحة في المملكة بالتكاملية؛ إذ شملت المؤسسات كافة، الرسمية والأهلية، وتولى إدارة هذه الجهود الكوادر البحرينية العاملة في شتى القطاعات التي لم تدخر جهداً في توفير أحدث الأجهزة وبروتوكولات العلاج، كما شاركت المملكة جهود المجتمع الدولي في عملية المكافحة، وكانت الأولى عربياً في تجربة أول دواء للمرض، أو ما عُرف باختبار التضامن، وكذلك في التجارب السريرية مع دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، وذلك لتقييم العلاجات التجريبية بشكل ممنهج، ومن ثم الحد من انتشاره، كما كانت الدولة الثانية في العالم التي أجازت استخدام أول لقاح مضاد للجائحة بعد إقراره.
 
ويُشهد للبحرين أيضا سبقها في تنفيذ آلية أثر المخالطين؛ وهي الأولى من نوعها بالمنطقة، وتنظيم عمليات إعادة مواطنيها العالقين بالخارج، حيث بلغ عدد من تم تأمين عودتهم للبلاد نحو 4982 مواطنا في مايو ونحو 6300 في يونيو، هذا فضلا عن مشاركة الدول الشقيقة والصديقة في إعادة مواطنيها، وتعهدها على أعلى المستويات بتوفير اللقاح للجميع بالمجان، مثلما وفرت عمليات الفحص والعلاج للجميع من مواطنين ومقيمين. وتعد المملكة من بين الدول القليلة التي ستصلها التطعيمات الجديدة مبكرا مطلع 2021، حيث يجري العمل لتوفيره وتنظيم عملية تلقيه مثلما أكد على ذلك رئيس المجلس الأعلى للصحة في شهر ديسمبر الجاري.
 
وكانت جهود المواجهة البحرينية للجائحة قد تجاوزت الحيز الرسمي لتشمل الجانب الأهلي أيضا، وذلك إثر نجاح حملة "فينا خير" والتي لاقت استحسانا وثناء من حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى الذي كان قد وجه في أكثر من مناسبة رسائل الشكر والتقدير لكل من شارك بجهد في مواجهة الجائحة، ومن ذلك خلال كلمة جلالته بمناسبة دخول العشر الأواخر من رمضان لسنة 1442 هجرية.
 
وأشاد جلالته في مناسبات عدة أخرى بانضباط المجتمع في مواجهة الظروف الاستثنائية، وشدد على أهمية دور الفريق الوطني الذي يقوده سمو ولي العهد رئيس الوزراء، فضلا عمن وصفهم جلالته بالمرابطين في الصفوف الأمامية من الكوادر الطبية والتمريضية والكوادر الأمنية والعسكرية، التي خُصص لها، وبمبادرة من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله تعالى، يوم في نوفمبر من كل عام للاحتفاء بجهودهم، وذلك تحت اسم يوم الطبيب البحريني.
 
استشراف التحديات والآثار الاقتصادية للجائحة
لم يكن تعاطي مملكة البحرين مع الجائحة صحياً ووقائياً مميزاً فحسب، مثلما تبين سلفاً، وإنما امتد هذا النجاح إلى معالجة آثارها الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، حيث قدمت تجربة المملكة في هذا الشأن برهانا على جاهزيتها واستعدادها لمواجهة أي طارئ، وتكاملية أدوار مؤسساتها، وقدرتها على وضع السياسات والاستراتيجيات الملائمة لهذه الظروف الاستثنائية، وبما كفل ليس فقط دعم احتياجات تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية التي لم تتوقف تقريباً في مجملها، بل والحفاظ أيضاً على قوى العمل البحرينية وموارد ومكتسبات رأس المال الوطني وإعطاء أولوية قصوى للحياة الكريمة لمواطنيها.
 
وحظيت الإجراءات التي تبنتها المملكة بإشادة وتقدير كبيرين؛ فبالإضافة إلى أنها وضعت مصلحة المواطن والوطن أولاً، فإنها فاقت في حيويتها وآثارها كثيراً من الدول المتقدمة، إذ قُدرت حزمة المساعدات المالية بأكثر من 4.5 مليار دينار بحريني، وبما يمثل نحو 32% من الناتج المحلي الإجمالي، استهدفت في مجملها دعم رواتب البحرينيين في القطاعات الأكثر تضررا، التي وصلت إلى 12 قطاع خاص، والإعفاء من الرسوم البلدية والتكفل بفواتير الكهرباء وتخفيض رسوم العمل والإيجارات، وتأجيل الأقساط السكنية، ومضاعفة مخصصات الضمان الاجتماعي وغيرها.
 
وساهمت هذه الإجراءات التي اتسمت بالاستباقية والمرونة في الاستجابة السريعة لتداعيات تطور الفيروس طوال 9 أشهر وأكثر وفق آلية التتبع والفحص والعلاج، كما وُصفت بالمبتكرة والرائدة وغير تقليدية، لأنها ضمنت عملية التعافي السريع للقطاعات المتضررة، وأكدت استمرارية نجاح النهج الوطني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي تعطي أولوية أولى لدعم بنية الاقتصاد وحماية المتضررين مع الحفاظ على الصحة العامة، ولا أدل على ذلك من احتلال مملكة البحرين للمركز 42 عالمياً في مؤشر الفرص الاقتصادية، وتحسن مؤشراتها في الربع الـثالث من العام الحالي، وانخفاض العجز وإقرار الميزانية الجديدة 2021-2022، وغيرها.
 
المعروف أنه رغم تداعيات الإغلاق وتأجيل كثير من الفعاليات كمعرض البحرين الدولي للطيران وسباق جائزة البحرين الكبرى ومعرض الخريف عن مواعيدها المقررة، لكن الحفاظ على وتيرة شبه منتظمة للنمو احتل أولوية قصوى في البلاد، وهو ما زاد من قدرة المؤسسات المختلفة، سيما العاملة في النشاط التجاري بأنواعه، على التعايش مع الإجراءات الوقائية، وبما ساعد على ضخ أموال جديدة في شرايين الاقتصاد بعد رفع قيمة صندوق السيولة إلى 200 مليون دينار والذي استفادت منه القطاعات المتضررة، هذا مع التأكيد بأن البحرين تعد إحدى الدول القليلة في العالم التي لم تضطر مثل غيرها من الدول المتقدمة على فرض الإغلاق الشامل بسبب الجائحة.
 
ونتيجة لتداعيات الجائحة، زادت الخدمات الإلكترونية وارتفعت معدلات الدفع الإلكترونية، ولم يكن غريباً أن تستمر وتيرة البناء، حيث تستعد الحكومة الموقرة وبحسب تصريح لوزير المالية والاقتصاد الوطني في نهاية نوفمبر لتنفيذ مشاريع بقيمة 782 مليون دولار أمريكي من الدعم الخليجي خلال عامي 2020-2021، كما تم ترسية 1022 مناقصة ومزايدة بأكثر من مليار دينار بحريني خلال التسعة شهور الأولى عام 2020 بحسب مجلس المناقصات والمزايدات في دلالة على عدم توقف مسيرة التنمية والإنجاز.
 
كما استمر صندوق العمل "تمكين" في دعم القطاعات التي أوقفت أعمالها بشكل تام من جراء الجائحة سيما منها الترفيهية لثلاثة شهور إضافية ستمتد حتى فبراير 2021، وحصل مجلس التنمية الاقتصادية على جائزة المبتكرات التكنولوجية، وأعيد تدريجيا افتتاح المحال والمجمعات التجارية.
 
التعليم واستدامة التنمية البشرية
كانت البحرين ومازالت منذ عقدين على الأقل من الدول التي تتصدر تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وشغلت المركز 45 عالمياً في تقرير 2019، وهي تندرج ضمن مصاف الدول المتقدمة ذات التنمية البشرية العالية، وهو ما أكده تقرير بلومبيرج الصادر أواخر العام الماضي، حيث جاءت الأولى عربياً على المستوى الصحي، كما شدد تقرير للبنك الدولي صدر في شهر يونيو 2020 على أن البحرين هي الأولى عربياً في مجال التعليم، ما جسد إيمان المملكة المطلق بضرورة تزويد المورد البشري الوطني بكل مقومات تأهيله، وحجم الاهتمام بالعملية التعليمية كركن اساسي للتنمية البشرية المستدامة.
 
ونظراً للتطورات التي فرضها الوضع الصحي الراهن منذ مطلع عام 2020، وفي ظل الجهود الدؤوبة لحماية المجتمع من خطر انتشار الفيروس، اتخذت البحرين العديد من الإجراءات الوقائية والتدابير الصحية المقررة التي كفلت لها إنجاح العملية التعليمية عن بعد وتسهيل عودة الطلاب الجزئية لمدارسهم بعد التأجيل لأكثر من مرة وحمايتهم وذويهم والكادر الإداري والتعليمي ومن ثم المجتمع ككل من أي تداعيات محتملة للجائحة، وقد لاقت هذه الإجراءات ترحيباً كبيراً من الجميع، فضلاً عن الأوساط المعنية والمنظمات المتخصصة بالمنطقة والعالم.
 
وكانت المملكة قد سعت عبر الأجهزة المختصة وبجهد حثيث لضمان استكمال متطلبات تحقيق التحول الإلكتروني في مجال التعليم والتعلم، إثر نجاح تجربة التعليم عن بعد خلال النصف الثاني من العام الدراسي الماضي 2019، وعملت على توفير الخدمات التعليمية اللازمة والمقومات الضرورية لها عام 2020، وبما يضمن جودتها وتميزها ويواكب أحدث التجارب العالمية، كما قامت بتخيير أولياء الأمور قبل بدء العام الدراسي الحالي بشأن أولوية التعليم عن بعد أو الحضور الصفي، فضلا عن إعداد الأدلة وإصدار اللوائح وتنظيم المحاضرات التوعوية للتعريف بالآليات الواجب اتباعها مع بدء انطلاق الدراسة.
 
وبهدف تحقيق الغاية المثلى من التعلم الافتراضي، أطلقت البحرين العديد من الخدمات الإلكترونية التي تتلاءم مع الظروف الاستثنائية، وبما يضمن ليس فقط التيسير على الطلبة لجهة تلقي الحصص التعليمية المطلوبة، وإنما أيضاً لتوفير مستوى أكبر من متابعة أولياء الأمور لأبنائهم مع تأكيد الحرص على ديمومة واستمرارية العملية التعليمية ذاتها، وأهمية التحصيل العلمي للطلاب صيرورة مساراتهم العلمية، وفي الوقت ذاته تحقيق التباعد الاجتماعي وحماية الصحة العامة للمجتمع.
 
وتبرز هنا جهود تعقيم المدارس والكتب الدراسية، وإجراءات التأكد من صحة الطلبة قبل استقبالهم على مقاعد الدراسة، واستمرار نقلهم بالحافلات وفق الاشتراطات الصحية المقررة، واستكمال تصوير الدروس المتلفزة لجميع المواد والمراحل، وتجهيز البنية الضرورية للخدمات التعليمية عبر المنصات الإلكترونية المختلفة، وبخاصة عبر البوابة التعليمية والفصول الافتراضية والدروس المركزية، الأمر الذي يفسر تطورين مهمين على صعيد نجاح العملية التعليمية بمشتملاتها، وبالذات في قطاع التعليم بعد، أولهما: الحصول على نتائج متقدمة عربيا في مادتي العلوم والرياضيات في التقرير العالمي "تيمز 2019"، الذي تصدره الرابطة الدولية لتقييم التحصيل التربوي ومقرها امستردام.
 
ثانيها: حصول عدة مدارس حكومية على عدة جوائز في مسابقات تعليمية خليجية، منها؛ الدورة السادسة لمسابقة مبادرات المدارس الصديقة لمكتب التربية العربي لدول الخليج، ومبادرة ابتكار الكويت لأبحاث ومشاريع الطالبات (مسابقة الشيخة فادية السعد الصباح العلمية) التي أقيمت على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
 
وكان حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى حفظه الله ورعاه وفي إطار اهتمامه بالمورد البشري، وإيمانه العميق بأهمية العملية التعليمية في ظل الظروف الراهنة، وضرورة تزويده بالمهارات العلمية والعملية المطلوبة لمواجهة أعباء الحياة، قد وجه في ابريل 2020 رسالة مرئية لأبنائه الطلاب ليطمئن فيها على سير تعليمهم وتحصيلهم العلمي مع الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة على العالم أجمع، وهو ما قوبل بتقدير كبير من جانب المواطنين والمقيمين على السواء الذين وصفوا الرسالة بأنها رسالة اطمئنان الوالد على أبنائه.
 
المرأة البحرينية
المرأة البحرينية  لها دور ها في حركة البناء والتنمية بمختلف قطاعاتها  وشريك متكافئة مع شقيقها الرجل في الفرص، حيث استطاعت المرأة أن تصل إلى مناصب قيادية سبقت نظيراتها في العديد من الدول المتقدمة، ويحسب لمملكة البحرين الريادة والسبق، وأن استحضار الدور الذي تميزت به المرأة البحرينية في مختلف القطاعات سواء على صعيد القطاع العام أو الخاص عكس ما أولاه جلالة الملك المفدى للمرأة البحرينية من اهتمام، إذ تحظى المرأة في مملكة البحرين بنصيب وافر من البرامج الخطط الوطنية والتي تجاوزت مرحلة التمكين، كما أكد ذلك سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على زيادة تقدم المرأة البحرينية وكونها في  طليعة أولويات العمل الحكومي.
 
كما احتفلت المملكة بيوم المرأة البحرينية في الأول من شهر ديسمبر 2020 ، و خصص للاحتفاء بالمرأة في القطاع الدبلوماسي، باعتباره ملمحا إضافيا على تنامي دور المرأة البحرينية وإتاحة الفرص المتكافئة  أمامها، حيث أُشير إلى سجل منجزات المرأة البحرينية وتقدمها في هذا القطاع بنسبة 32%، والذي لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الملكية المستنيرة لحضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى، حيث تركز على الحديث حول تميز المرأة البحرينية في هذا القطاع إضافة إلى إبراز ما حققته مملكة البحرين على صعيد تعزيز دور المرأة في ضوء العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى، والجهود والخطط الوطنية والمبادرات التي سعى لها المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة جلالة الملك المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة.
 
كما أن الاحتفاء بالمرأة في القطاع الدبلوماسي تزامن أيضا مع احتفاء آخر تمثل في الاحتفال بمرور 50 عاما على تأسيس الشرطة النسائية في المملكة، وسط إشادة واسعة بمشاركة المرأة البحرينية الفاعلة والتي أكدت بها حضورها في مختلف قطاعات العمل الشرطي وخدمة المجتمع.
 
قطاع الشباب رعاية وتمكين
حظي شباب البحرين أيضا كالطلاب باهتمام كبير خلال 2020، وذلك عقب صدور عدة قرارات تؤكد أهمية ما يقومون به في زمن الجائحة، من ذلك إقرار مشروع تحويل الأندية الرياضية إلى شركات تجارية ‏بموجب المرسوم الملكي رقم (24) لسنة 2020، وإنشاء الصندوق الخاص برعاية مبادرات الشباب (صندوق الأمل) في أكتوبر، وافتتاح سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب لقمة الشباب في نوفمبر، وحصول وزارة الشباب والرياضة على جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتمكين الشباب عن برنامجها "صناعة النخبة"، وذلك ضمن جائزة التميز الحكومي العربي التي أقيمت تحت مظلة جامعة الدول العربية في نوفمبر.
 
وكان حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى قد عبر في خطاب سامٍ له في أكتوبر عن تقديره وتحيته لدور الشباب والمرأة، ووجه فيما تضمنه خطابه السامي من توجيهات سديدة إلى انشاء صندوق الأمل لدعم المشاريع والمبادرات الشبابية، الذي صدر بشأنه فيما بعد قرار من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب بتشكيل مجلس إدارته مطلع ديسمبر، ويرأسه وزير الشباب والرياضة.
 
ومن البراهين المهمة التي تؤكد اهتمام المملكة بالشباب والتزامها بأهداف التنمية المستدامة تلك المشاركات العالمية الكبيرة التي تخطت السنوات السابقة في جائزة الملك حمد لتمكين الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في نسختها الثالثة هذا العام، والتي بلغت 4064 مشاركة من أكثر من 100 دولة في العالم، والتي دخلت مرحلة التحكيم النهائية تمهيداً للإعلان عن نتائجها، في دلالة على أن تجربة البحرين في رعاية الشباب وتحقيق تطلعاتهم وتوجيه طاقاتهم باتت نموذجا دوليا يحتذى، لا سيما إزاء الأدوار والمسؤوليات المناطة بهذه الفئة من المجتمع في ظل الجائحة والظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم حاليا.
 
الأمن عماد استراتيجية المملكة للتقدم
تقوم استراتيجية المملكة للبناء والتقدم على ثابت لا يتغير، وهو الأمن بمفهومه الشامل باعتباره أساساً لا غنى عنه، والسبيل الوحيد لتحقيق ما تصبو إليه البلاد من خير، والرافعة المحورية لتلبية تطلعات مواطنيها في غد أكثر إشراقا وازدهارا، ولذلك تؤكد سياسات البحرين ونهجها الاستراتيجي دوما على عدة مبادئ لا تحيد ولا تتحول عنها، سواء لحماية مقدراتها ومواردها ومقومات قوتها أو للحفاظ على مكتسبات شعبها، وهو ما ظهر بجلاء خلال عام 2020 الذي أوجد جملة من التحديات الجديدة، بجانب التحديات والتهديدات التقليدية المعروفة، تعين معها إيجاد منظور مغاير للتصدي لها.
 
لعل من أبرز هذه التحديات، التقليدية وغير التقليدية، ما يتصل بالوجه الأمني لتداعيات جائحة كورونا، التي ألقت بظلالها على كل جوانب الحياة تقريباً في البحرين والعالم أجمع، واستنفرت الأجهزة كافة، سيما المختصة منها، لمواجهتها والحد من انعكاساتها ومخاطرها. وزادت حدة هذه التهديدات مع ارتباطها بتلك المحاولات الدؤوبة التي لم تتوقف أبدا للتدخل في شؤون المملكة، والمساس بسيادتها وأمنها الوطني، وذلك في إشارة إلى استغلال كل من النظامين في إيران وقطر لقضية العالقين البحرينيين في الخارج خلال شهري مارس وإبريل بسبب توقف حركة الطيران جراء انتشار فايروس كورونا كوفيد-19، ومواصلة تدخلاتهما وتهديداتهما لأمن المنطقة، خاصة عقب اعتراض الدوحة زورقي خفر السواحل أواخر نوفمبر، ما أثار رفضاً داخلياً واسعاً ووصف كاستفزاز جديد هددت به قطر أمن البلاد واستقرارها.
 
في مواجهة ذلك، شهدت المملكة العديد من التحركات الأمنية والدفاعية التي استهدفت التأكيد على أن المملكة، قيادة وحكومة وشعبا، لن تقف أبدا مكتوفة الأيدي أمام أي طرف أو محاولة تمس بحقوقها أو تتعرض لتماسك بنيانها الاجتماعي، ومن ذلك الرسائل والتأكيدات التي خلصت إليها زيارات واستقبالات وتفقدات حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى لقوة الدفاع في مارس ويوليو، وترؤس جلالته لمجلس الدفاع الأعلى في يوليو، ناهيك عن الجولات التفقدية لأسلحة القوة في شتى بقاع المملكة والتمرينات والتدريبات والمناورات المشتركة، ومنها؛ راية العز وسيف العرب والمانع البحري في نوفمبر وسهام البحرين في ديسمبر والتمرين الجوي المشترك الذي أجراه سلاح الجو الملكي مع القوات الأمريكية في ديسمبر وغيرها.
 
ولا شك أن جملة هذه الخطوات والفعاليات الدفاعية الأمنية معاً لم يكن الغرض منها سوى التأكيد على أن مملكة البحرين ستواجه وبالمرصاد أي محاولة للمساس بسيادتها وحقوق شعبها في الأمن والتنمية والاستقرار، وأنها ستعمل على التعاون الكامل مع كل الدول المحبة للسلام والاستقرار والقوى الكبرى لوقف أي قوى أو أجندات تضمر العداء لها التزاما منها بتعهداتها للاتفاقيات التي وقعت عليها من ناحية واحترامها لمبادئ حسن الجوار من ناحية ثانية، وإيمانا منها بخطر بعض الممارسات المتهورة في حقل العلاقات والتفاعلات الدولية التي تقوم بها قوى وأطراف تحقيقا لأجنداتها وتطلعاتها العدوانية والتوسعية.
 
ولعل من بين أبرز نتائج هذه التحركات الناجحة لإقرار الأمن والاستقرار في ربوع البلاد؛ زيادة مساحة التعاون الدفاعي والأمني مع الدول الشقيقة والصديقة، لاسيما عقب لقاءات معالي وزير الداخلية بنظيرته البريطانية على هامش مؤتمر حوار المنامة في ديسمبر وانخفاض معدلات الجرائم، ومنها جرائم الفساد التي لم تتجاوز 64 قضية أُحيل منها 35 للنيابة عام 2020 بحسب كلمة لمعالي وزير الداخلية في اليوم العالمي لمكافحة الفساد يوم 8 ديسمبر.
 
وهو ما يضاف إلى استمرارية نجاحات نظام العقوبات البديلة التي استوعبت حتى يونيو 2700 مستفيدا، خاصة بعد أن أضيف إليها 45 عملا جديدا في مارس، والقيام بأكثر من 31 ألف عملية تطهير للمؤسسات حتى مايو بإشراف من إدارة الدفاع المدني، وحصول البحرين على المركز الأول عربيا في مكافحة غسل الأموال حسب مؤشر بازل التاسع في أكتوبر، وهو المؤشر الذي يتوج في الحقيقة جهود المملكة الدؤوبة لمكافحة التطرف وتجفيف منابع تمويل الإرهاب وكل أشكال الجريمة.
 
ويمثل استتباب الأمن واستقرار الأوضاع في ربوع البحرين برهانا جديدا على نجاح الخطط والاستراتيجيات الدفاعية والأمنية المتبعة لحماية منجزات الوطن، خاصة مع الاستهداف الممنهج لأمنها واستقرارها، وهو كشفته ايضا  تقارير وشهادات حقيقة ما تتعرض له المملكة من مؤامرات خارجية، حيث ذهب تقرير للمجلس الأطلسي صدر في أول ديسمبر عن دور إيراني في تهريب كل المواد المتفجرة والأسلحة التي ضبطت في المملكة خلال السنوات الأخيرة.
 
وقد جسد هذا الكشف الأخير حقيقة وخطورة الاستهداف الإيراني لأمن البلاد، الذي لم يتوقف ـ في الحقيقةـ طيلة عقود، وتصدت له الأجهزة المعنية بكل حسم، وكانت له بالمرصاد، حيث حظيت جهودها بإشادة وتقدير كبيرين، وهو ما تأكد مع الدعم الذي تلقته البحرين خلال مؤتمر حوار المنامة 16 في ديسمبر، حيث بدت مواقف وكلمات المشاركين متسقة ومتناغمة مع مواقف المملكة، خاصة إزاء التهديدات الإقليمية التي تمثلها إيران وغيرها.
 
تحركات البحرين الخارجية ثوابت راسخة
استمرت مملكة البحرين على نهجها الراسخ في حقل السياسة الخارجية ودبلوماسيتها الراقية والمرنة القائمة على تعزيز ودعم علاقاتها بالدول الشقيقة والصديقة، واحترام سيادات الدول وعدم التدخل في شؤونها، وتأكيد دورها في دعم السلم والأمن الإقليمي والدولي، حيث مارست الدبلوماسية البحرينية دوارها المناطة بها، حيث اتسمت تحركاتها بالنشاط والتنوع، واستهدفت تمتين أواصر التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وزيادة مستوى التنسيق والتشاور معها بجانب ترسيخ الاستقرار في المنطقة والعالم.
 
ورغم شبه توقف الطيران وتأجيل الزيارات لكن عام 2020 شهد نجاحاً دبلوماسياً باهراً على ثلاثة صعد مهمة، أولها: ما يتعلق بتقديم كل أوجه الدعم للمواطنين البحرينيين في الخارج، الذين انقطعت بهم السبل عقب وقف الطيران، حيث عملت الدولة بكل أجهزتها، ووفرت كافة الإمكانات المطلوبة لتأمين إعادتهم للبلاد، وبما يتوافق مع الاشتراطات الصحية، ثانيها: يتعلق بتعزيز اللحمة الخليجية والعربية والوقوف مع الدول الشقيقة والصديقة، سيما إزاء التهديدات التي تتعرض لها. ومن ذلك تدشين أول حوار استراتيجي مشترك بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية مطلع ديسمبر وتأكيد شراكة البلدين التي تمثل حجر الأساس لأمن المنطقة، وذلك بالتزامن مع تنظيم واستضافة النسخة 16 من مؤتمر حوار المنامة.
 
ومن المهم هنا التأكيد على أن الموقف البحريني من طبيعة التهديدات التي تتعرض لها كان ثابتاً وحاسماً، وذلك بالإشارة إلى كلمة معالي وزير الخارجية أمام المشاركين في مؤتمر حوار المنامة 16، وبيَّن فيه خطورة التهديدات التي تمثلها إيران، وضرورة أن تشارك دول التعاون الخليجي في أي اتفاق جديد مع طهران بشأن برامجها النووية، وهو الأمر ذاته إزاء سياسة الاستفزاز القطرية، بحسب وصف وزير الخارجية في رده على سؤال نيابي في ديسمبر أكد فيه أن ما تقوم به الدوحة، لا سيما عقب اعتراض زورقين لخفر السواحل، هو عدوان على حدودها البحرية، وأن المملكة ستتخذ كل الإجراءات لحماية حقوقها السيادية وحقوق مواطنيها.
 
وفي إطار اهتمامها بمكانتها كمحور للتفاعلات، وصورتها كواحة للتعايش والتسامح بين أصحاب الحضارات، ودورها في قيادة قاطرة السلام والاستقرار بالمنطقة، جاء تحرك المملكة لتوقيع اتفاق تأييد السلام مع دولة إسرائيل في سبتمبر، وهو اتفاق عبر عن موقف واضح للمملكة بشأن أولوية مصالحها العليا كقضية "مصيرية"، وضرورة العمل على إرساء الأمن وتعزيز الازدهار بالمنطقة مع تأكيد موقفها التاريخي الثابت من القضية الفلسطينية، حيث اُعتبرت الخطوة البحرينية عهداً جديداً للمنطقة .
 
التسامح سبيل للنجاة وطريق تسلك لبلوغ النماء والتطور
 وفي تأكيد لافت على قيم التسامح التي وجدها أبناء الثقافات المختلفة فوق أرض المملكة الطيبة، التي فُضلت عن غيرها للعمل والاستقرار فيها، تأتي تحركات البحرين الدبلوماسية لتدعيم هذه الصورة المُحتفى بها في أرجاء العالم، وذلك انطلاقا من تأكيد حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى حفظه الله ورعاه في خطاباته السامية على الدوام أن "التسامح سبيل للنجاة وطريق تسلك لبلوغ النماء والتطور". وشهد هذا العام في مايو صلاة بحرينية من أجل الإنسانية، وتخرجت أول طالبة دراسات عليا مشاركة في كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي من جامعة سابينزا الإيطالية في روما في أكتوبر الماضي.
 
هذا بجانب فعاليات وأدوار ومناشط مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي الذي يعكس الدعم غير المحدود لثقافة التعايش والأخوة الإنسانية بالمملكة، وفتح باب التسجيل أمام ‏الشباب البحريني للمشاركة في برنامج "الإيمان في القيادة" في سبتمبر لتأهيلهم كسفراء للمملكة في نشر قيم التسامح، والإجراءات الوقائية التي اُتخذت لإقامة المناسبات الدينية في ظل الظروف الاستثنائية التي مرت بالبلاد، واحتفى بها الرأي العام، وأشاد بها حضرة صاحب الجلالة العاهل المفدى أيده الله في كلمة وجهت في سبتمبر بمناسبة ختام موسم عاشوراء، وسُجلت ضمن مبادرات جلالة الملك الرائدة في مجال التسامح، بجانب تدشين إعلان البحرين في أمريكا الجنوبية من البرازيل للتعايش في نوفمبر.