إذا كان من بين أهم دروس جائحة كورونا أنها أكدت وحدة مصير البشرية، وأن أي جزء منها لن ينجح بأن يظل منعزلا عن باقي الأجزاء مهما طالت قدرته على التفرد بحاله وأوضاعه بعيدًا، فإن أهم تحد يواجه العالم في تصديه لهذا الفيروس ومحاولة القضاء عليه بعد التوصل لعدة لقاحات للتحصين منه هو السير في خطوات العلاج بصورة متوازنة وشاملة، بحيث لا تتقدم دولة كثيرا عن أخرى في تلك المواجهة الشرسة.
قد يكون من الطبيعي ما نراه الآن من سباق بين الدول الكبرى والغنية لاحتكار الحصة الأكبر من اللقاحات التي أثبتت نجاحها وفعاليتها وتم اعتمادها من الجهات المعنية وتأمين وصول هذه اللقاحات لمواطنيها، خصوصا في ظل حالة الترقب الطويلة للقضاء على مثل هذا الفيروس الذي ضرب البشرية وأصابها بخسائر مادية وبشرية هائلة وأعاد دولا كثيرة للوراء لسنوات، وهو ما دفع تلك الدول الغنية للشراء المسبق للقاح.
وإذا كانت هذه الدول لا تجد مشكلة في الدفع نظير الحصول على اللقاحات الكافية لمواطنيها، فعلى الدول الأخرى أن تبحث عن أوراق تفاوضية تمتلكها وسبل مناسبة لأوضاعها تمكنها من الحصول هي الأخرى على اللقاح، وعلى منظمة الصحة العالمية أن تسعى بجدية لضمان الاستجابة الجماعية لهذا الوباء العالمي، حيث تشير العديد من التحليلات وتوقعات المؤسسات المتخصصة كمركز التنمية العالمية للأبحاث إلى أن هناك احتمالا ضئيلا للغاية بأن تصل اللقاحات إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بحلول نهاية العام المقبل، على الأقل بكميات كبيرة بغرض التلقيح العام.
صحيح أن اتفاقيات الشراء المسبق لإمدادات اللقاح ظاهرة معروفة وحدثت قبل ذلك خلال فترة انتشار وباء انفلونزا الخنازير قبل أكثر من عشر سنوات، إلا أننا أمام فيروس أشد خطورة وفتكًا بالبشر والاقتصاد ويفرض قيودًا وخنقًا لكل صور الحياة الطبيعية، وهو ما يفرض ضرورة تحقيق المساواة في توزيع اللقاحات بكل الطرق الممكنة ليصل الجميع لنهاية جذرية لهذا الفيروس دون بؤر ولو صغيرة لأنها قد تعيد إنتاجه مرة أخرى في أنحاء العالم بأسره.