رغم ما يبدو بأنهم الأقل إصابة بفيروس كورونا “كوفيد 19”، وهو أمر خفف كثيرًا من مصائب وكوارث هذا الفيروس على البشرية كلها، إلا أن هناك من الأضرار النفسية والاجتماعية غير المباشرة التي لحقت وقد تلحق مستقبلا بالأطفال، فكلنا يعايش تلك الحياة غير السوية التي جعلتهم أسرى جدران البيت، لا يفارقون الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها ومخاطرها على عقولهم وعيونهم، فاكتفوا بهذه الأجهزة والألعاب وهذا العالم الافتراضي، واستغنوا بها عن العالم الحقيقي مع أسرهم وآبائهم.
وجاءت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” لتعمق الجراح وتزيد الهموم، حيث أكدت في تقرير لها صدر مؤخرا بعنوان “تجنب ضياع جيل كوفيد”، أن الأعراض بين الأطفال لا تزال خفيفة، لكن العدوى تواصل الارتفاع، والتأثير طويل المدى على التعليم والتغذية والرفاهية لجيل كامل من الأطفال والشباب، وهو ما يمكن أن يغير حياتهم ويجعل مستقبل جيل بأكمله في خطر.
وبين التقرير أن نحو ثلث الدول التي شملها التحليل وعددها 140 دولة شهدت انخفاضا بنسبة 10 % على الأقل في تغطية الخدمات الصحية، مثل التحصين الروتيني، وعلاج أمراض الطفولة المعدية في العيادات الخارجية، وخدمات صحة الأم، بسبب الخوف من انتقال العدوى، ودعا إلى تفادي ضياع جيل كامل، حيث يهدد كورونا بإحداث ضرر لا رجعة فيه على تعليم الأطفال وتغذيتهم ورفاههم.
إن الآباء والأمهات في عجز وحيرة ما بين خوفهم على صحة وسلامة أطفالهم، ما يدفعهم لتشديد الحصار “البيتي” عليهم ومباركة “تقوقعهم” على أنفسهم ومع الأجهزة الإلكترونية، وما بين قلقهم من أضرار هذه العزلة وهذا التلازم الطويل مع تلك الأجهزة ومساوئها، ورغبتهم في إخراجهم منها ليتنفسوا ولو قليلا من أجواء الحياة الطبيعية التي نسوها وتولدت لديهم الرغبة في عدم تذكرها وممارستها مرة أخرى غير مدركين العواقب المستقبلية الوخيمة عليهم.
هي دعوة لعلماء الاجتماع وخبراء التربية ليحددوا لنا معالم التعامل مع هذه الحالة الاستثنائية وسبل الإخراج الآمن للأطفال من حياة “العزلة” الحالية وكيفية تلافي آثارها والتعامل معهم مستقبلا.