العدد 4403
الثلاثاء 03 نوفمبر 2020
banner
د.حورية الديري
د.حورية الديري
لغة الصمت
الثلاثاء 03 نوفمبر 2020

للغة مميزاتها التي تترجم الفكر إلى حروف وكلمات لترتقي بالعلاقات وتسمح بما فيها من لغو بالتقريب أو الترهيب، ولنا نحن البشر في ذلك قصص وعبر، فما إن يكون الكلام وما ننطق مرسالاً في بلورة التاريخ الحافل لنا بالمآثر، فإن للصمت لغة وإن كانت مجهولة للكثير من الناس، ففي إتقانها نعمة لا يدركها إلا من استشعر أسرارها، وحول ذلك ما يحصل معك عزيزي القارئ عندما تقف متأملاً حائرًا أمام لوحة فنية صامتة كي تبني معها علاقة جميلة تكسر ما بها من رهبة الصمت التي لا تعي معانيها، فنظرتك قد تختلف عما لدى غيرك وحتما عما لدى الفنان الذي أبدع في جعلها فلسفة صامتة تقبل بكل التفسيرات، علها تصل إلى المعنى الحقيقي الذي يخرج اللوحة من صمتها بأفكار وكلمات ناطقة.

وبهذا قد نستطيع معرفة القيمة الحقيقية للغة الصمت التي لا حروف لها، وهي في اعتقادي الشخصي منهجية تحتاج إلى إبداع في تطبيقها، لأنني أراها تعتمد على مستوى الإدراك البشري بما تحويه من مضامين ومشاعر تحاكي كل اللغات الأخرى في العالم، وفي ذلك فلسفة تستحق البحث والدراسة، فمازلنا بحاجة ماسة لدراسة الكثير من الظواهر والسلوكيات البشرية، فإن كان البعض يربط الصمت بالسكوت فإنني أرى أن الصمت حالة متقدمة عن السكوت، بمعنى أن السكوت تطول مدته أو تقصر قد يرتبط بالتفكير غالبًا، بينما تحتضن حالة الصمت العديد من المشاعر التي منها التأمل والتحليل المنطقي الذي لا ينفك إلا بولادة إبداعية جديدة، وهنا يتوجب علينا أن نقف جليًا أمام ما يعترينا من مشاعر كي نقترب من ذواتنا أكثر، ففي كل حالة شعور ومعنى لا يجيده إلا صاحبه، وهي سلسلة متنامية تسهم في التكوين الشخصي وتتطلب خطوات بسيطة من الموازنة بين معنى وآخر، لأننا عندما نتكلم فإننا نعبر عما نريد ونرغب في مختلف الحالات الشعورية والمواقف، لذلك يكون الكلام لنا منهجًا ولكن ما أدعو له اليوم مختلف وجدير بالتجربة، لأنها تجربة لغة الصمت فيها تلتقط صورًا للمواقف والذكريات التي مرت بكم سابقًا، فقط استبدلوا ما كان بها من كلام لا يستحق أن يقال أو يسمع بحالة صمت جديرة بإكساب ذاك الموقف حالة سلام لك ولمن معك.

حتمًا اقتربت الصورة الآن، ففي الصمت لغة خارقة في نشر الهدوء والطمأنينة ونفوسكم تستحق أن تتخطى أي حاجز بينها وبين السمو النفسي، وفي التجربة خير برهان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .