العدد 4336
الجمعة 28 أغسطس 2020
banner
وزير كفيف
الجمعة 28 أغسطس 2020

لم أستطع تمالك شعوري وفرحتي بخبر تعيين شاب كفيف ليرأس وزارة الشؤون الثقافية في الجمهورية التونسية الشقيقة، ولم أتردد في كتابة مقالي عن هذا الحدث التاريخي السعيد الذي أعتبره أنموذجا على مستوى العالم، فهنيًا لشعب تونس العظيم تعيين الوزير، وهنيئا لصاحب القرار الجريء الذي قبل التحدي ليثبت أن الكفيف يملك صفات وكفاءة أكثر من البصير.

أنا على يقين بأن الوزير سينجز ويبدع ما لم يتمكن الوزراء المبصرون السابقون من تحقيقه، وتأكيد ذلك قوله تعالى ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، وأقول للمشككين في صحة القرار لا تستعجلوا النتائج وسترون أنكم مخطئون، كما أنه من واجبكم جميعًا أن تمدوا له يد العون والمساعدة ودعمه لا محاربته ووضع العراقيل أمامه.

شخصيًا لم يحالفن الحظ لأزور هذا البلد المضياف “تونس الخضراء”، لكنني أملك علاقات وتجارب رائعة مع هذا الشعب العظيم، الطيبة وسمو الأخلاق والرقي من صفاتهم، ودائما ما أردد جملة “لماذا كلكم طيبون” وذلك عند لقائي بأي تونسي. ولا أستطيع أن أذكر كثيرًا عن هذا الشعب في هذه المساحة، ولا أريد ان أكون مجحفًا لحقهم، فهم يستحقون كتابًا وليس مقالًا.

في مجتمعاتنا يحتاج الكفيف إلى حبٍّ صادق ينبعُ مِن القلب ليصل القلب، وينبع مِن الروح ليصلَ الروح، فهُمْ بحاجةٍ إلى الاحترام والاهتمام، بحاجة إلى التآخي وتوفير الوسائل المناسِبة والناجِعة التي ستجعل منهم أناسًا مُبدعين دائمًا. إنَّ الكفيفَ إنسانٌ منَحه الله ما لم يمنَحْه غيره، وأخذ وسلب منه ما أعطاه لغيره، فكلنا متساوُون؛ لذلك عند الاختلاطِ بهم ومزاولة مجتمع المكفوفين تجد أن منهم مَن هو مُبصر بقلبه يتقصَّى الحقائق، ويتفحص الأمور رويدًا رويدًا، عصامي مثابر، وقائد لذاته ونفسه، يستلهمُ إنجازاته بما يُمْليه عليه قلبه، أواصر الأمور والأشياء عنده مترابطة، مسيطرٌ على الأمور كلها، هو بشرٌ كغيره مِن البشر، قد يخذلُه المحيط به أحيانًا، لكن نظرته إلى المستقبل إيجابية.

وذكر خبر تعيين الوزير الجديد أنه يوصف بطه حسين التونسي، حيث تتشابه مسيرته إلى حد كبير مع عميد الأدب المصري الذي شغل قبل ٧ عقود منصب وزير المعارف في مصر. دعواتي القلبية الصادقة لهذا الوزير الجديد كل النجاح في مهمته غير المستحيلة ليكون رمزًا ومثالًا يحتذى به، وتحية تقدير وإجلال للحكومة التونسية على هذه الخطوة الرائدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .