تجلّت الهِبة الإلهية على طبيعة بلادنا “الجُزُرية” بتعدّد الواجهات البحرية المُتاحة نسبياً، في تنوّع الحياة البحرية، والتي أسهم فيها قطاع صيد الأسماك بنسبة (0.3 %) من الناتج المحلّي الإجمالي بعد تراجعه الكبير؛ لعلة توجّه السكان للعمل في قطاعات أخرى بعد الطفرة النفطية والصناعية، إلى جانب عوامل أخرى أبرزها تزايد عمليات الردم والدفان بعد التوسع العمراني الذي طال العديد من المناطق الساحلية. وهذا بعد أنْ كان السواد الأعظم من أبناء البحرين قد مارس – حتى عهد قريب - مهنة صيد الأسماك، حتى اشتهرت العديد من المناطق كمدينة الحدّ والدّير وقرى جزيرة سترة والبديع وجنوسان وباربار وغيرها بالحرفية في هذه المهنة التي شكّل البحر بخيراته رافداً مؤثراً في صياغة واقعهم الاجتماعي، ومورداً مهماً لتشكيل تركيبتهم الاجتماعية التي أفرزت كمّاً هائلاً من الفنون في موروثنا الديني ومأثورنا الشعبي.
تولّدت العلاقة بين الإنسان البحريني وزرقة البحر كرباط الطفل في رحم أمه، فهو مانح حوى الخيرات والمنافع في جوف مياهه، هذه العلاقة بَدَتْ متجليةً – مثالاً لا حصراً - بين أهالي قريتي “باربار وجنوسان” الوادعتين إلى الشمال الغربي من البحرين على امتداد مياه الخليج اللُجّية ورمال الشطآن الفضية، التي أسلفتها بين رجالاتها وشائج القربى والتزاوج، وعلاقات النّسب والمصاهرة، وصلات الأخوة في الدراسة والتزاور، وروابط الزمالة في الحرف والأعمال؛ حتى أشاعتها ودّاً ووداداً وأفاضتها ألفةً وائتلافاً، قد تُرجِمَت في صورةٍ مكتملة الأركان عنوانها البقاء في فلك “رزق البحرِ الواسع الذي لا يشحّ ولا يجفّ” بعد أنْ فرض بعنفوانه على كلّ ما يحويه من عناصر الوفرة والثراء تحت قِيعان مياهه، وبين تلاطم أمواجه التي تجسدت فيها علاقة العاشق الولهان بما تحمله من تنهدات الحنين وغصّة المشتاق.
نافلة:
عراقةُ المشتركات بين أهالي قريتي “باربار وجنوسان”، وارتباطهم بزرقة البحر منذ أمد، بعد أنْ رّوضوا فيها مهابته بسمّر سواعدهم حتى صيّروا هذا الارتباط به بين تحدّ ومصلحة؛ قد بَانَتْ أكثر وضوحاً في تحقيق آمالهم المعقودة بإحياء مشروعي “سوق جنوسان للأسماك” و”مرفأ باربار وساحله” اللذين سيعكسان – دون أدنى شك – رواجاً متعاظماً في التسويق والترويح بين الأهالي والقرى المجاورة.