مهمة القلم أن يحول الحرائق إلى حدائق، والطعنات إلى قبلات، والخنجر إلى مبخر والرصاصة عند القلق إلى قصاصة من ورق بيد طفلة تلهو بالرمل على شاطئ. أن يحول الاتهام إلى اقتحام، والاحتياج إلى اجتياح، والعيادة إلى قلادة والمدرعة إلى مزرعة، كما يقول أدونيس “ملأني العالم بالجراح لكن لم يخرج منها غير الأجنحة”.. لو كان بمقدوري لجعلت الكلمات تصافح دمع كل عاشق يختبئ في الليل بحثا عن حصاة يتيمة لآخر ما تبقى من أطلال ذكرى الحبيبة التي جعل منها مزاره الخاص وطقوسه المتفردة بالبكاء كقصة حب الشاعر الألماني، هولدرلين الذي ماتت حبيبته لغيابه، وجن هو الآخر لرحيلها.
يقول الفيلسوف الروماني سيوران “إنّ الكتابة تعويض عن فقدان العالم”. وأنا رجل يبحث في هذا الوطن عن عنوان يقودني إلى بيت الأمل لأطرق بابه، وأحتسي معه القهوة، وأخبره عن المتكدسين في شوارع المنامة أو المحرق أو الرفاع أو البديع ويبحثون عن علاج في الحب أو الجمال أو الأرغفة. لست سوداويا كالفيلسوف شوبنهاور أو أجيد اكتئابية النص، وبكائية الأحرف كالكاتب المسرحي الأميركي الشهير تينيسي ويليامز، والذي اكتأب بسبب موت حبيبته، وإنما أريد أن ألملم جراح النقد وزهور العرفان على ورقة الكتابة.
لو بيدي لجعلت الكلمات تتسلل ليلا إلى غرف وخبابا كل مهندس يشرق بشهادته الأكاديمية في كل عشاء، وكأنه العشاء الأخير للسيد المسيح، أو طبيب ينتظر الإحالة، أو مؤذن عجوز تم قطع رزقه بفأس قرارات جائرة من الأوقاف ظلما.
ورغم ذلك تجد الكثير ممن قطعت أرزاقهم من مؤذنين، وطلاب علم وأئمة جماعة تحسبهم أغنياء من التعفف، وينطبق عليهم قول الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد “قد يأكلون لفرط الجوع أنفسهم.. لكّنهم من قدورِ الغير ما أكلوا”.
تصلني الكثير من الشكاوى لإيصالها للصحافة بصور مختلفة، أسمع رنين الألم في الخزان الداخلي لكل مواطن تصلني رسالته، وأعدهم بالكتابة عمن يقدم شكرا لأي وزارة أو يقدم نقدا..
نعم، ضيقة هي المراكب، لكن ثقوا أن أصواتكم المبحوحة، وكلماتكم المصابة بالسعال هي التي تساهم في حضارية الحرف وجمالية الوطن... إن جراحكم ستتحول إلى لون أخضر، وقطرة قطرة وتمتلئ الساقية. وأعدكم أن أكتب بقلم فوسفوري ملتحف بالضوء، وإن كان على شكل مبضع لإجراء عمليات جراحة في قلب أي ملف أو قضية أو وزارة، وأن أتحدث عن خارطة التجويف الذي ينخر في أحشائكم، وعن كل لوحات “الصرخة “ التي تختنق بداخلكم النائمة بين كل الصرخات المنومة سريريا بداخلكم.
أعدكم أن نستبدل الهشاشة إلى فراشة، والسياسة إلى كياسة، والحزن العام تجاه أي ملف إلى هديل عام، لنحلق جميعا مثل حمام برشلوني يذهب فجرا إلى بقعة ماء على طرف الوطن ليتوضأ بماء الوحدة الوطنية، وينتقي بعض حبات الرز.
قد ينفجر القلم مثل مخازن ذخيرة تحرش بها وجع الواقع بعود كبريت، وتحول إلى نقد صريح برائحة الدخان، كما حدث لملف الأوقاف، لكن كل ذلك لأجل الوطن.. نعم تصلني كل آهاتكم، وهنا سوف أقوم برد على بعض الاستفسارات بشكل سريع.
أولا بالنسبة للحديث عن ملف الأوقاف، فأنا لا أكتب إلا مدججا بالوثائق، وما كتبته عن صالة المقشاع كمثال من تمرير صفقات بيع وشراء من قبل رئيس إدارة الأوقاف السابقة إلى شركة خاصة عائدة لشقيقه بقيمة إجمالية بلغت 400 ألف دينار، من دون وجود مناقصات، فهي تعد مخالفة صريحة للقوانين وأحكام القانون المدني الخاص بتضارب المصالح والأطراف بتعامل الأقرباء وتمرير المعاملات. فكل الوثائق موجودة، وقد بلغ سعر الأثاث 133 ألفا و900 دينار. إذن أنا أمتلك الوثائق، ولا أتكلم إلا بمنطق الأرقام، ونحن في صحيفة “البلاد” قبل النشر نهتم بالوثائق، والهدف فتح التحقيق.
2. صفقة بيع لمسجد الشيخ عزيز بالسهلة الشمالية بكراسي “فاخرة” لاستراحة المصلين بقيمة إجمالية تصل إلى 22 ألفا و875 دينارا، منها 13 ألفا و275 دينارا كراسي لقسم النساء و9600 دينار كراسي لقسم الرجال.
3. صفقة أخرى لتزويد صالة المقشاع “بكراسي فاخرة” بقيمة إجمالية تبلغ 54.860 ألف دينار.
4. كما مرر لأخيه صفقة تزويد صالة المقشاع بأبواب خشبية بتاريخ 10 مارس 2018، بقيمة إجمالية تبلغ 25 ألفا و200 دينارا، وكلها موثقة، فنحن في الصحافة لا نلقي الكلمات جزافا. فقط نريد لجنة تحقيق لإعادة أي تلاعب لأموال الوقف دينارا. العملية ليست نبشا في الماضي، هذه أموال جدود حرموا أولادهم من الإرث، ووقوفها كوقفيات للإمام الحسين (ع)، فلابد أن نحافظ عليها. والحق الوقفي لا يسقط بالتقادم، بل الهدف هو أن هناك حقا يجب إرجاعه، ونحن على يقين وفي ظل الديمقراطية البحرينية الجميلة والشفافية والرقابة أن الوضع سيصحح في الأوقاف، وسترجع الحقوق، والهدف تعمير خزانة الوقف بعد التصفير.
إن الدولة مشكورة قامت بتعويض الأوقاف عن بعض الأراضي الوقفية التي استملكت للمنافع العامة بـ 10 ملايين دينارا. وهنا نقدم كل الشكر والعرفان للقيادة والدولة في حفاظها على الوقف. اليوم لم يبق من هذه العشرة ملايين إلا الفتات بسبب سوء الإدارة، والتبذير وبيع الغبن والمعارف والأصدقاء، وكيفية التعامل مع الودائع البنكية وكسرها. ختاما أقول شكرا لكل الداعمين في إرجاع حقوق الوقف. شكرا للقيادة وشكرا للدولة وشكرا لوزير العدل وشكرا لصحيفة “البلاد” وشكرا للأهالي... وقريبا نفرح بإذن الله بحركة إصلاحية وتصحيحية لأوقاف الإمام (ع) مع محاسبة ومراجعة وإرجاع الحق لأوقاف الإمام الحسين (ع).
يقول الشاعر العظيم نزار قباني: “ليس جديدا علينا اغتيال الصحابة والأولياء، فكم من رسولٍ قتلنا، وكم من إمام ذبحناهُ وهو يصلي صلاة العشاءْ، فتاريخنا كلهُ محنةٌ وأيامنا كلها كربلاءْ”.