+A
A-

الصيام في "زمن كورونا".. شعائر شهر رمضان وطقوسه في زمن الوباء

استقبل المسلمون أكثر شهورهم قدسية هذا العام "هادئًا" على غير العادة، إذ طلَّ شهر رمضان في توقيتٍ صعب على العالم الإسلامي بسبب جائحة كورونا، وقد فرضت هذه الأزمة التباعد في الشهر الذي يعتبره المسلمون التواصل والتقارب فيه أمرًا بأهمية العبادات، فقضى على الكثير من المظاهر الحيوية بين الصائمين، وغيّر الوجه المألوف لهذا الشهر المميز ما بين الأمور الروحانية والإجتماعية، فإذا كان شهر رمضان يرمز إلى الجماعة فسيكون له وجهٌ مختلفٌ تماماً هذا العام. 

رمضان بلا مساجد

أسهم فضيلة الشيخ الدكتور خالد الشنو قيّم جامع محمد بن يوسف الحسن بقوله: دور المسجد في شهر رمضان هو دورٌ رائد لا يقتصرعلى الصلاة فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى الدور الثقافي والتعليمي والتوعوي من خلال الخطب والمواعظ، إلى جانب الدور الإغاثي في جمع التبرعات والصدقات، أما ما يميز المساجد في شهر رمضان عن بقية الشهور هي صلاة التراويح التي تؤدّى بشكلٍ جماعي واعتكاف المسلمين فيه. 
لكن بعد إعلان إيقاف التجمعات والصلاة في المساجد بشكلٍ فجائي بسبب فايروس كورونا، اعترى المسلمين مشاعر الحزن والشوق لبيوت الله حيث أن عدد المصلين يزداد في شهر رمضان المبارك ونفوس المسلمين تصبح أقرب إلى ربها، وتابع قوله: ولتعويض هذا الدور نرى أن يختار رب الأسرة مكاناً ملائماً ليحيي الصلاة جماعةً في بيته مع أسرته، فيكون ذلك المكان هو مسجد البيت، إضافةً إلى تخصيص وقت إلى حلقات قراءة وتفسير القرآن الكريم من قِبَل الوالدين، أو التمعن في سِيَر أهم الشخصيات الإسلامية، ولتعويض الجانب الإغاثي يمكن التبرع من خلال شبكات التواصل الإجتماعي لصالح الجمعيات الخيرية. 
وغلبت مشاعر التفاؤل صوته قائلاً: وفألنا الحسن أن يضاعف الله لنا أجورنا بسبب نوايانا وبقاءنا في بيوتنا وتباعدنا الإجتماعي عن بعضنا البعض.

تجميد دور العبادة

وحفاظاً على الأجواء العبادية من جهة والإلتزام الكامل بالتوجيهات الإحترازية الضرورية من جهة أخرى قال السيد عدنان جابر رئيس اللجنة الإعلامية لمأتم قرية المرخ: إن للمآتم دورٌ كبير في شهر رمضان، فهو يشكّل نقطة تلاقي للأهالي في التعارف والتواصل مع بعضهم البعض، إلى جانب الدور الثقافي والتوعوي الذي يؤديه من خلال المجالس الرمضانية العبادية. 
ولكن بسبب الظروف الصحية العالمية القاهرة التي فرضت هذا العام، وتحول الشعائر الدينية والإجتماعية على نحوها غير المعتاد في تعليق أنشطتها، ارتأت إدارة المأتم مع اللجنة الإعلامية على تفعيل الوعظ الديني والخطابة في المأتم خلال شهر رمضان من خلال قناة تعمل على البث المطول في (اليوتيوب) من الساعة الخامسة عصراً وحتى الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، والتي تقدم برامج متنوعة في الجوانب الفقهية، الدينية، القرآنية، والشعبية لجميع الأعمار، فبالتالي، جاء نجاح هذه القناة بسبب تكاتف الكوادر ليلاً مع نهار إلى جانب تفاعل الأهالي. 
واختتم قوله: أن فايروس كورونا أتى بالإيجاب، فتدريب الكوادر على مدى السنين الفائتة جاء بالثمرة المميزة الآن في ظل هذا الظرف الإستثنائي.

تضاعف دور الجميعات الخيرية

يتجلى دور الجمعيات الخيرية واضحاً في تقديم أكبر قدر من المساعدة في المجتمع، ويتكاثف ذلك في شهر رمضان تحديداً، فجاءت مشاركة الأستاذ حسين الصباغ رئيس جمعية جنوسان الخيرية قائلاً: تلعب الجمعيات الخيرية في شهر رمضان دوراً حيوياً، حيث تبذل جهودًا مضنية في سبيل تقليص الفجوة بين معيشة الأسر المتعففة من جانب، ومعيشة الأسر المغنية والمتوسطة من جانب آخر.
 ويمثل شهر رمضان أحد أهم المواسم لتسلم الجمعيات المساعدات النقدية والعينية لصالح تلك الأسر، وتقوم هذه الجمعيات بدورها في توصيل المساعدات لمستحقيها بناءً على معطيات ثبوتية، والتي تتعدد أشكالها بحسب سياسة كل جمعية وأولوياتها، لكنها تشترك في تقديم المساعدات الغذائية ومتطلبات الملابس الجديدة في عيد الفطر المبارك بالإضافة إلى زكاة الفطرة.
وبعد جائحة كورونا، تراجع مستوى الدعم المقدم من الجهات الداعمة ولعل ذلك بسبب تراجع النشاط الاقتصادي نتيجة الجائحة، لكن في مقابل ذلك عمدت جمعية جنوسان إلى صد هذا التيار حيث ضاعفت مساعداتها، ولأننا نعتقد أنه من مسؤوليتنا مد يد العون اللازم خاصةً للمتضررين كالعاملين في مجالات المواصلات والتعليم والسياحة، وأصحاب المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر. 
وتابع قوله: لكن المشهد لا يخلو من قصصٍ رائعة بادر فيها العديد من أصحاب الأيادي البيضاء والمؤسسات، لمضاعفة عطائهم وتبرعاتهم مراعاةً لأحوال الناس في هذه الظروف.

إلغاء الفعاليات الرياضية

شهد العالم الرياضي تحولاً كبيراً في الأيام الماضية، بعدما وجد الرياضيون وهاوون الرياضة أنفسهم مجبرين على البقاء في منازلهم نتيجة توقف الأنشطة الرياضية جراء جائحة كورونا، وهذا الوضع أصبح واقعاً جديداً بعد أن تحول فيه الرياضيون من الملاعب إلى ساحات العالم الذكي. 

وفي هذا الشأن قال المقدم الرياضي حمد الشملان: يقام عادةً خلال شهر رمضان الكثير من البطولات الرياضية والشبابية في مختلف مناطق ومدن مملكة البحرين، فلا تخلو أي منطقة من مثل هذه الأنشطة الجماعية بمساندة الوزارات والهيئات الحكومية، وكذلك الدورات المتنوعة التي تضم العديد من اللاعبين والمدربين المعروفين، والتي تنشحن بالأجواء التنافسية الشديدة من أجل التتويج بالفوز. 
ولكن بسبب الإلتزام بالتدابير الوقائية والتقيد بالتباعد الاجتماعي، فرض ذلك على الرياضيين التعمق أكثر في العالم الذكي كونه الوسيلة المتاحة حالياً للتواصل بين اللاعب والهاوي مع جمهوره، وبالقدر نفسه فرض على كل منظومة رياضية التعامل من خلف الشاشات عبر التكنولوجيا الذكية التي أضحت بين يومٍ وليلة الحاضنة الأساسية للرياضيين في زمن الكورونا. 
وعبر من وجهة نظره: دائماً ما أحب أذكر الجمهور في استغلال هذا الوقت بصورة إيجابية، ومشاهدة الجانب المشرق من الظرف الإستثنائي الذي نعيشه الآن فهو تحدي أكثر من كونه أزمة. ​

تجنب التجمعات العائلية 

لأن شهر رمضان هو رمضان الأسرة بسبب ارتباطه بعادات اجتماعية راسخة، لكن في ظل انتشار فايروس كورونا هذا العام سيتم ممارسة تلك العادات بطريقة جديدة، إذ يجب تقديم بعض التنازلات، وهذا ما عبرت عنه الدكتورة كوثر العيد استشارية الصحة العامة رئيسة جمعية أصدقاء الصحة قائلة: على الرغم من أن شهر رمضان له طابع اجتماعي باجتماع الأسرة على مائدة الإفطار وأجواء الود وصلة الرحم، إلا أننا ننصح بالحفاظ على مسافة آمنة وعدم الإختلاط مع الآخرين خلال الشهر الفضيل، وذلك حفاظاً على السلامة العامة ومساندةً للجهود الحكومية في الحد من انتشار فايروس كورونا المستجد.
فالتباعد الإجتماعي إلى جانب الحجر المنزلي باتا ضرورة ملحة، وعلى الجميع الإلتزام بهما وتطبيقهما، كما يجب غرس ثقافة جديدة عند أفراد المجتمع من خلال التحكم في عواطفنا والابتعاد عن كل ما شأنه نقل العدوى، فبدلاً من التجمعات العائلية يمكننا التعبير عن حبنا لأسرنا وأصدقائنا بالتواصل معهم عبر المحادثات الهاتفية والمرئية، وتشجيعهم على الحفاظ على سلامتهم بالبقاء في المنزل.
وتابعت قولها: فإذا التزم جميع أفراد المجتمع بثقافة الاهتمام بالغير واحترام الآخرين وتقدير أهمية صحتهم، سيشكلون سداً منيعاً في محاربة الوباء.

العزوف عن محلات الحلويات 

يُقبل الصائمون على محلات الحلويات في شهر رمضان بشكلٍ كبير، ولكن هذا الإقبال قلَّ كثيراً وقد يتلاشى خاصة مع اختفاء التجمعات العائلية، وفي هذا قالت أ.ع صاحبة أحد محلات تقديم الحلويات: تزامن افتتاح المحل مع شهر رمضان الفائت، ذلك ما أسهم في عدم حاجتي إلى أي إعلان عنه بسبب إرتفاع وتيرة الحياة مساءً في شهر رمضان بين الصائمين، فيقبل الكثيرون من الناس إلى الحلويات بعد الفطور.
ولكن بسبب تفشي فايروس كورونا هذا العام، لن يشهد الشهر أحد أبرز مظاهره بسبب الإلتزامات الوقائية التي تفرض على الجميع البقاء في المنزل، ذلك ما أدى إلى الإقبال الضئيل الذي يصل إلى 20% فقط من الزبائن، ورغم سلبية العدد إلا أنه مؤشر جيد يدل على وعي الناس وإلتزامها. 
لكننا نحاول تقديم الأفضل مع طلبات التوصيل الذي يقل جودته في حين كان الزبوناً زائراً لنا، إلى جانب اعتماد خطة تسويقية جديدة تعتمد على التعاون مع المحلات المتخصصة معنا.