يُعَدُّ بلوك تشين أداةً لإدارة قواعد بيانات المعاملات في سلسلة المعاملات الرّقميّة الموزّعة (الخوارزميّات) من خلال شبكة الاتّصالات العالميّة، بحيث يتمكّن أطراف التعاقد في المعاملات الماليّة والتجارية من تنفيذ الصفقات دون وسيط أو طرف ثالث. ويتمّ تسجيل هذه المعاملات ككتل رقمية (Blocks) مشفرة في هذه السلسلة، ولا يمكن تعديلها أو حذفها.

ومن أبرز مهامها إدارة العقود. فإن أي مؤسسة تعتمد بشكل كبير على العقود كالشركات والمؤسسات المالية والعقاريّة تستفيد من تقنية (بلوك تشين) في تحديث العقود وإدارتها وتأمينها، فضلا عن إدارة  خطوات التوريد من تدفق كل من المواد الخام والأفراد، والمعلومات والخدمات ورأس المال والمنتجات من الموردين إلى المصنع ثم المخازن ثم إلى شركات التوزيع انتهاء بالعملاء. وأمّا في ما يتعلّق بأمن المعلومات؛ فإن تقنية (بلوك تشين) تُسهِم  في حماية الأصول من خلال إنشاء سجل ملكيّة في الحال لا يمكن اختراقه. ويشمل ذلك كلّ أنواع الأصول التي يمكن حمايتها من القرصنة والسرقة، والسلعَ الثّمينة.

ومن المتوقّع أن يكون لتقنية (بلوك تشين) دور فاعل في إدارة أنظمة السجلات الشخصية من حيث إدارة البيانات الشخصية التي تستخدمها الحكومات، بما في ذلك الشهادات المتعلقة بالتوثيقات.

وتسهّل تقنية (بلوك تشين) إجراء المدفوعات الإلكترونية وعملية تحويل الأموال إلى أي مستفيد، دون الحاجة إلى وسيط أو طرف ثالث.

وإذا ما نظرنا إلى تقييمها من ناحية شرعيّة بناءً على التصوّر السابق؛ فإنه يجوز- والله أعلم – أن تقدّم المؤسسات التقنية مثل هذه الخدمة للمستخدمين سواء أكانوا أفرادًا أم مؤسّسات، بموجب عقود اشتراك أو نحوها، نظير أجر معين. ويُكيَّفُ العقد بين المؤسّسة التقنيّة وزبائنها على أنّه عقدُ إجارة مشتركة بينهما، يخضع لشروط عقد الإجارة وأحكامه على وجه العموم، ولشروط أحكام عقد الإجارة مع أجير مشترك على وجه الخصوص والمستند الشرعي لذلك أنه إذا كان الأصل في العقود الإباحة ما دامت تخلو ممّا يصادم قواعد المعاملات في الشريعة الإسلامية، فإن الأصل في وسائل إبرام العقود الإباحة أيضًا ما دامت الوسائل تتحقّق بها المتطلّبات الشرعيّة لإبرام العقود.

ولابدّ هنا من تأصيل المبادئ والمعايير التي تستند إليها تقنية البلوك تشين، وهي كالآتي:

أوّلًا: الصّيغة التي يتمّ بها الانعقاد (الإيجاب والقبول) للدلالة على التراضي في التعاقد. ويمكن الاكتفاء بما يدل على التراضي بالفعل أو بأي قرينة أخرى، إن لم يحصل الإيجاب والقبول اللفظي. ومعنى الإيجاب إتاحة الفرصة لطرف ما ليحصل على ما يملكه الموجب. والقبول هو استخدام الحق الموجّه من الموجب لحصول الأثر في حال التوافق بين الإيجاب والقبول.

ثانيًا: مجلس العقد، حيث تلتقي إرادة المتعاقدين، والنظرة الموسّعة له بالإيجاب الممتدّ.

وعرّف مجلس العقد بأنه (الاجتماع الواقع من أجل التّعاقد)، ونقصد بالاجتماع المدّة الزمنية التي تكون بعد الإيجاب والطرفان مقبلان على التّعاقد دون إعراض من أحدهما. وأجاز المعيار الشرعي الثامن والثلاثون مبدأ التعاقد بالمحادثة الصوتية أو بالصوت والصّورة –عبر الإنترنت- ومثله الاتصال الرقمي، حيث يأخذ أحكامَ المتعاقدين الحاضرين، وتسري عليه أحكام اتّحاد مجلس العقد، ويصحّ الإيجاب والقبول بحسب المتعارف عليه ما دام الاتّصال بشأن العقد مازال قائمًا.

ثالثا: التثبّت من هويّة المتعاقدين، حيث يتعيّن اتّخاذ الاحتياطات والإجراءات الممكنة للتثبّت من هوية المتعاملين عبر الشّبكة والتحقق من أهليّتهما للتعاقد على الوجه الصّحيح النّافذ. ويصحّ شرعًا اعتماد التّوقيع الإلكترونيّ أو الرّقميّ وسيلة إثبات من خلال الرموز والأحرف والأرقام السرية التي تحول دون الالتباس وتقمّص شخصية المتعامل. وإذا ثبت حصول التزييف أو التّزوير أو الغلط في شخصية أحد المتعاملين أو في صفة فيه، فإنّه يثبت للمتعاقد الآخر فسخ العقد.

رابعًا: الضمان وتحمّل تبعية الهلاك الذي يشترط لاستحقاق الربح. ويُقصد بالضمان المسؤولية عن تلف المبيع. وهو على البائع قبل التسليم والتسلم، فإذا تمكّن المشتري من التسلّم انتقل ضمان التّلف إليه. وهذا ما يراه الفقهاء الذين قرّروا أنّ الملك ينتقل بالعقد، وأن الضمان ينتقل بالقبض. وأمّا ضمان العيب، فهناك صعوبة في تحديد العيب وإثبات وجوده فيما إن كان التعاقد عن طريق شبكة بلوك تشين. ولذا؛ فإنّه لابد من إيجاد آلية قانونية وتقنية للتغلب على هذه المشكلة.