يبدو أن ما تعانيه بعض دولنا من صعوبات اقتصادية ومالية موجود بصورة أو بأخرى في دول كثيرة لدرجة تجعل من التفاوت بين الفقراء والأثرياء ظاهرة عالمية وليست قاصرة على دول بعينها.
فقد أوضح التقرير السنوي الذي تصدره منظمة “أوكسفام” بشأن توزيع الثروات في العالم ارتفاع إجمالي ثروة 2000 ملياردير بنسبة 12 % في الفترة ما بين مارس 2017 ومارس 2018، في حين انخفض إجمالي ثروات نحو 3.8 مليارات شخص ــ من الطبقة الدنيا ــ بنحو 11 % في الفترة ما بين منتصف عام 2017 إلى عام 2018م، كما تشير إلى أن 26 من أغنى الأفراد في العالم يمتلكون تقريبا ثروة نصف سكان العالم من الطبقات الدنيا.
نعم، مثل هذه التقديرات ليست بالدقة المتناهية، حيث لا يتصور أن يكشف الأثرياء عن حجم ثرواتهم الحقيقية، إضافة إلى أن بعضهم وربما الأكثر ثراء لا يميلون إلى المشاركة أو التجاوب مع مثل هذه المنظمات التي تقوم بالدراسات والاستقراءات الإحصائية حول حركة أموالهم، لكنها على كل حال تؤكد وجود خلل في بنية وطبيعة الاقتصاد في الكثير من دول العالم وإدارته بطريقة لا تسمح للفقراء أن يتجاوزوا حدود فقرهم إلا في حالات استثنائية وبعد مجهودات كبيرة لا يتوفر للكثيرين العزم والإرادة لبذلها والاستمرار فيها، وهو ما يشير إلى أن هناك أسبابا ترتبط بالشخص “الفقير” نفسه وتؤدي إلى استمرار فقره أو تزايده، ولكن تبقى الأسباب الكبرى والأهم بيد الدولة وصانعي القرارات الاقتصادية.
الأهم بنظري في تقرير منظمة “أوكسفام” هو أنه وضع حلا مهمًا لإحداث بعض التوازن في هذه المعادلة شديدة الاختلال بين الفقراء والأثرياء، بدعوته إلى زيادة الضرائب على الثروة واستخدام الإيرادات لتوفير خدمات صحية والخدمات العامة الأخرى.
إن الأخذ بهذا الحل ببعديه الاقتصادي والاجتماعي يضمن علاج الكثير من العيوب ويوفر مساحات ومجالات أكثر أمام الفقراء للخروج من دائرة الفقر إلى الطبقات المتوسطة وكذلك الغنية، فهو يأخذ من الأغنياء أموالاً لا تمثل شيئًا بالنسبة لحجم ثرواتهم ويمنح الفقراء خدمات اجتماعية مهمة لتوفير العيش الكريم لهم.