العدد 3400
الأحد 04 فبراير 2018
banner
وصية والدة الدكتور مصطفى السيد
الأحد 04 فبراير 2018

تابعت بإعجاب الفيلم الوثائقي، الذي استعرض صباح الخميس الماضي مسيرة الأمين العام للمؤسسة الخيرية الملكية الدكتور مصطفى السيد، على هامش تكريمه من قبل مؤسسة «المنجزين العرب» رمزا للأجيال، عطاء، وإنجازًا، وسعيًا في عمل الخير.

مصطفى السيد، هذه الشخصية التي يتفق كل البحرينيين على محبتهم لها، استطاع بابتسامته الدائمة، واحتضانه لمن حوله، أن يوجد بصمة مؤثرة في القلوب، وأن يثب بمراكز العمل التي ترأسها، من بيئات عمل جافة، بيروقراطية، إلى بيئات أسرية، الكل بها يهتم للآخر.

ولم يحل «اليتم» بين السيد وبين أن يحقق مكاسب كبيرة لبلده، ولعائلته، ولشخصه، بل العكس، كان حافزًا كبيرًا لأن يوجد التغيير الذي عجز عنه كثيرون غيره ممن توفرت لهم كل السبل، وظروف الحياة المواتية، لأن يكونوا قادة، ومنجزين، وصناع قرار، ورأي، وهو ما لم يحدث.

خرج ابن مدينة (الحوره) إلى العالم، وهو تحت عباءة أم عظيمة، رهنت نفسها، وجل حياتها، لتربيته وتربية إخوته الآخرين، وهم في «يتم» الأب، لكنها أوفت ما عاهدت نفسها عليه، وبأكثر مما توقعت، فالأبناء الذين كانت تتوسم بهم أن يكونوا مجرد كتبة في أحد المكاتب الحكومية، أصبحوا فيما بعد، رؤساء لأكبر الشركات الاقتصادية بالبلد، مصطفى أحدهم.

القصة تقول ببساطة، إن الظروف الصعبة والموجعة - الحرمان تحديدًا - غالبا ما تهيئ البيئة المثلى للإنجاز، ولخروج المبدعين، والعظماء، وهو أمر أكدته الشواهد التاريخية دائمًا، فمعظم القادة ممن أداروا دفة التغيير في العالم، نشأوا برحم حياة قاسية، معدومة ملذات الحياة، وبهرجتها.

تطلعتُ يومها، وسط جموع غفيرة، للفيلم الوثائقي «مصطفى رحلة التحدي» بإعجاب وتأثر شديدين، فالفيلم القصير لا يوجز مسيرة النجاحات التي حققها السيد فقط، بل يتحدث وبشكل عميق، عن دور الأم في الدفع بأبنائها لأن يكونوا مختلفين، ومنجزين، بل وأفضل من غيرهم.

ويتحدث الفيلم أيضًا عن عزيمة الإصرار والتحدي، والتي تميز الشخصيات صانعة التغيير، ولشاب كان متعثرًا باللغة الإنجليزية، وكيف أنه صمد رغمًا عن كل الظروف المعيقة، متخطيًا الصعوبات، بمسيرة حياة عصامية، مرهقة، تخللتها الدراسات المكثفة والمعقدة، والتي دفعته مرارًا ليشد الرحال بعيدًا عن أمه، وأهله، وناسه، لمدينة الضباب، بداخله قناعة صنع التغيير، ولا غيره.

ومن وسط براثن كل التحديات، والمواجهات الصعبة، والكفاح، ودعاء الأم، خرج مصطفى السيد بهيئته التي نراها اليوم، مصطفى الإنسان، قبل مصطفى الرئيس، والمسؤول، والأمين العام.

فعلاوة على مسيرة العطاء بإدارة دفة الشؤون الاقتصادية، والتي أوكلت مسؤولياتها إليه مرات عدة، أثبت السيد أن الإنسان قادر على التجدد في خدمة البحرين، وأهلها، مهما تغيرت المسؤوليات، وتعقدت، آخرها حين عين أمينًا عامًا للمؤسسة الخيرية الملكية، وبمحطة عمل تخالف كل المناصب التي تقلدها من قبل، وكان نجاحه بها أفضل من سابقاتها، بالنسبة لي أنا على الأقل.

منذ الوهلة الأولى التي وضع بها السيد موطئ قدمه بمؤسسة الأيتام والأرامل، وبدعم ومساندة من قيادة البلد الحكماء، باشر على الفور إيجاد الهوية المأمولة لهذا المشروع العظيم، بدأ من المثابرة بإيجاد محفظة استثمارية، تعنى بدوام استمرارية مساعدة الأيتام والأرامل.

ووصولًا بتخصيص العقارات، والتي وصلت اليوم لأبراج شاهقة تعانق السماء، مرورًا بنقل هذه الرؤية عبر السواحل والحدود الوطنية إلى العالمين العربي والإسلامي، بل وللعالم كله، الأمر الذي دفع مؤسسة المنجزين العرب، لأن تكرم السيد على مرأى ومسمع أبناء بلده، وهي تضفي عليه مسمى «رمز الأجيال».

وقال السيد على هامش التكريم، والذي ثمن خلاله وقوف زوجته الدائم لجانبه، إن «الإنسان الذي يخفي المحبة بقلبه، ويظهر الابتسامة بوجهه، ينتج بعمله أكثر، ومن المهم أن يضع أمامه رؤية مستمرة، أساسها أنه مهما يكون العمل والإنجاز بسيط، فعلى المرء ألا يستهين بذلك، وأن اللذة الحقيقية تمكن ليس بتحقيق النجاح فقط، بل في المواصلة على تحقيقه، وفي عدم القناعة بوجود المستحيل بقاموس الحياة».

صفق الحضور يومها بحرارة للسيد، أنا منهم، صفقنا ونحن نتطلع لابن البلد المنجز، الذي يقدم نموذج عطاء حقيقي للشباب، وبتجربة تقول إنه لا وجود لكلمة المستحيل بقاموس الحياة، مهما صعبت الظروف، وتعقدت.

وفي رحاب كل ما يجري، تقف امرأة عظيمة في مكان ما، بعالم آخر، وهي تتطلع لابنها مصطفى، وهو بأكثر مما تمنت، بداخلها ارتياح عظيم، وسيرورة سعيدة، بأن الثقة بابنها الصغير كانت في محلها، بل وأكثر.

هي ذاتها من كانت تردد لمسامعه، وصيتها المشجعة، حين كانت ترى به الإحباط، والتراجع، والتردد، وهو لا يزال صغيرا، بقولها «إذا الله يغلق باب، يفتح مئة شباك».

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية