لن نتحدث عن السياسة، فلا داعي لنكث جراحات لم تندمل حتى الآن في واقعنا العربي المأزوم بشكل مخيف بمرض الثرثرة والاستخفاف.
ويكفينا الحديث عن الرياضة التي تجمعنا في المقاهي والديوانيات لمتابعة المباريات لنكتشف أمراضنا ونحن نوجّه الاتهامات ونشوّه سمعة اللاعبين والمدربين والحكام والمسؤولين، وبعد ذلك كله نُطالب الجميع بالاستقالة والرحيل!
إنها خاصية عربية بامتياز في الوطن المتشظي، توغل في التعصب الأعمى وتستخدم نظرية المؤامرة بشكل مُطلق على كل الأشياء. حتى أبسطها.
وتبقى بعض العقول العربية بعد كل هذا التدعيش في خلق الله مرتاحة ومسترخية. خاملة عن التفكير ولو لبرهة واحدة في المنطق والحقيقة، فهي تعودت على توجيه إصبعها للقيام بعملية ريتويت لكل الأفكار المُشابهة لأفكارها، وهكذا ببساطة شديدة يمكن انتشار أي فكرة خاطئة في مجتمعاتنا، حتى وإن كانت مغلوطة.
ومن ضمن هذه الأفكار، ما يُروّج له الآن في بعض وسائل الإعلام الخليجية من عدم حيادية رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، بعد صدور قرار المكتب التنفيذي بإبقاء نظام مباريات بطولة دوري أبطال آسيا على حالها في النسخة المقبلة وعدم قبول طلب نقل مباريات بعض الدول إلى ملاعب محايدة دون وجود استثناء مقبول.
ولأن المُطالبين بـ الملاعب المحايدة لم يعجبهم القرار الآسيوي، أصبح الشيخ سلمان بن إبراهيم البحريني غير محايد في نظرهم، وراحوا يلومونه لأنه خليجي ولم يراع مطلب دولة خليجية، والأكيد أنه لو تخلى عن الحياد ومال إلى صفهم لأصبح أكبر المحايدين على الكرة الأرضية!
فنحن في زمن أصبح المكروه مُستحبًّا وبات التخلي عن الحياد مطلبًا من رجل لم يجد نفسه في مأزق أكبر من مأزقه الحالي، مع تفاقم الخلافات السياسية الخليجية-الخليجية والخليجية-الإيرانية، وليس خافيًا على أحد أن بلده البحرين تعتبر الأكثر تضررًا من هذه الخلافات، لكنه في الجهة المقابلة فضّل القيام بواجبه كشخص مسؤول على هرم أكبر منظمة آسيوية تعنى برياضة كرة القدم والتزم بواجبه الأخلاقي بالوقوف على مسافة واحدة مع 46 دولة في أكبر قارات العالم.
والأسوأ من ذلك، استفحال الجهل في حملة المطالبين بـ الملاعب المحايدة ووضعهم رئيس الاتحاد الآسيوي في مصاف الربوبية بامتلاكه القدرة المطلقة على خلق القرارات الصادرة عن المنظمة القارية، وفي الوقت ذاته يمعنون الشرك بوجود أعضاء مكتب تنفيذي من بقية دول القارة المترامية الأطراف، والتي لا يعنيها ما يدور في الخليج العربي من مشاكل واضطرابات سياسية، وإن كان رئيس الاتحاد بحرينيًّا.
فإن كان الهدف من وراء هذه الجعجعة الإعلامية الإطاحة بالشيخ سلمان لأنه ينأى بنفسه عن الخلافات التي لا علاقة لها بموقعه القاري، فإن ذلك هو الجرم الذي يتوجب أن يُحاسب عليه من يحرك هذه الأبواق الإعلامية، ذلك أن النيران الصديقة يُمكن أن تُلحق بنا خسارة كبيرة كخليجيين وعرب بفقدان شخصية بحرينية عادلة واستبدالها بالمجهول، الذي سيكون غير عربي على الأرجح، وبالتالي لا يتشابه معنا لا في الثقافة ولا في اللغة ولا في الدين ولا حتى في المصير.
وفي هذه الحالة، نرتكب نحن العرب الخطأ ذاته في حق أنفسنا مرة أخرى، عندما ضربت عصا الفرقة صفنا في الانتخابات على رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم الأخيرة، وأفسحنا الطريق إلى أصحاب العيون الزرق للرئاسة مجددًا، ونحن من كنا نلعن الإجحاف الذي مارسه علينا الخواجات عقودًا من الزمن.
وبطريقة ساذجة فوّتنا على أنفسنا آنذاك، فرصة ذهبية لرئاسة الفيفا، فرصة لا يبدو أنها ستتكرر في المدى المنظور، فهي لم تأت بهذه الكيفية المثالية في الانتخابات الأخيرة، إلا بعد مُضي أكثر من قرن على تأسيس الاتحاد الدولي الذي يسرح فيه الآن سويسري ابن جلدة سويسري.
لذلك، يا أشقائي العرب، علينا أن نتعامل مع بعض الأحداث والمواقف برصانة، ذلك أن طريقة الديوانيات والمقاهي الشعبية ليست المثلى في التعامل مع هذه المسألة الحرجة، فلا يصح خلط السياسة بالرياضة ومُحاسبة الآخرين لالتزامهم بالقانون الدولي الذي يحكم الجميع.